الشاعر الحداثي الذي دعا إلى الانفتاح والثقافة العالمية والتواصل الثقافي وتجاوز السائد، والقفز على التراث، وترك التقليد وإغلاق صفحة الماضي.
لم يستطع أن يكون كذلك، فانفتاحه على الثقافة العالمية كان انفتاح النصراني على دين إخوانه النصارى في الغرب، وعلى مذاهبهم المستحدثة، والتواصل الثقافي كان عبر البحر الأبيض المتوسط جسر الحضارة الغربية، وقاعدة العودة إلى الأصل، وتجاوز السائد هو إلغاء هوية الأمة والإجهاز على دينها ولغتها، والقفز على تراثها في عبثية واستخفاف، وترك التقليد شعار استهوى به البسطاء البلهاء ليصرفهم عن قرون الهجرة النبوية الكريمة، غير أنه لم يخرج عن إطار نصرانيته ولم يتجاوز السائد في كواليس الكنائس ومؤامرات التنصير، ولم يقفز على تراثه بل استخدمه وخدمه، ولم يترك تقليد الإنجيل والتوراة التي أسهم في ترجمتها، بل قلدها ونقل مضامينها المنحرفة في أقواله وتنظيراته، وهو بكل ذلك لم يغلق صفحة الماضي الصليبي، بل جدد ذلك، وحمل ألوية حرب صليبية ثقافية.
وهو القائل صراحة وبدون أدنى مواربة: (. . . إنني شاعر مسيحي، المسيحية جزء من تراثي، إن لم تكن في جوهره وصميمه، والمسيحية مرتبطة ارتباطًا كيانًا عميقًا مع التراث الذي سبق التاريخ العربي في هذه البقعة من الأرض، حتى أن تموز وما يعنيه -وهذا موجود في شعري- هو أسطورة قريبة من المسيحية، وربّما كان المسيح صورة جديدة لها، فهناك شبه كبير بين المسيح وبين تموز من حيث موته وبعثه، وأنا أفتخر بهذا الواقع؛ لأنه دليل ساطع على أنني صادق في شعري، لا كالشعراء المسيحيين، منذ إبراهيم اليازجي إلى اليوم، الذين كانوا يكبتون مسيحيتهم، ويظهرون بمظهر الشاعر غير المسيحي، من قبل المسايرة والدعاية والممالأة، إنني أعتقد أن هذا محك صدق الشعراء الحديثين اليوم، إن الشاعر المسيحي الذي يرتبط بتراثه المسيح هو شاعر أصيل، وستذكر الأعوام القادمة أن توفيق