للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقارب المعنى الأصيل في العقيدة النصرانية، إذا فعل ذلك نصراني ارتضع النصرانية منذ "نصره" أبواه أو معلموه فلا ريب أن ذلك يتناسب مع بعضه، ووجوده على ألسنتهم وفي أدمغتهم ومؤلفاتهم من الأمور الطبيعية العادية، مثلما أن وجود التوحيد والتنزيه للَّه والمحبة والإجلال للأنبياء جميعًا في كلام المسلم ونتاجه الثقافي وجودًا طبيعًا، غير أن الكارثة المميتة أن نجد ألفاظ ومصطلحات ومضامين العقيدة النصرانية في ألسنة وأعمال أبناء المسلمين، وكأنهم خدم صغار في أروقة الكنيسة.

يزعم الحداثيون بأن حداثتهم شمولية غير مقيدة بأديان معينة، وبعضهم يدعي وهو في منخفض هزيمته: أنهم يعتبرون جميع الديانات السماوية جزءًا من التراث الروحي للبشرية جمعاء (١).

هكذا في تملق ذليل للنصارى، ومغالطة واضحة، وانهزام اعتقادي جلي.

أما النصارى فإنهم أخذوا دور القوي في هيمنة فكرية بسطوا من خلالها احترامًا لدينهم ورموزهم ومضامين عقيدتهم المحرفة، ولم يتخلوا عن ملتهم، بل سخروا الأدب الحديث لغرس المفاهيم والألفاظ النصرانية، وتطبيع استعمالها، بدعوى أن هذا الأدب الجديد يستخدم ألفاظًا كثيرة الاستعمال في دين سماوي يعترف به الدين الإسلامي نفسه، وبدعوى عالمية الثقافة، ووحدة الوطن، ومراعاة مشاعر المواطنين، والبعد عن إثارة الفتن الطائفية، إلى غير ذلك من المبررات التي يعددها أقوام هانت عليهم عقيدتهم وضعفت ألبابهم.

ولنورد الآن من الشواهد ما يؤكد أن نصارى الحداثة لم يتخلوا عن نصرانيتهم بل قاموا بخدمتها من خلال الأدب الحديث:


(١) هذا قول لمحمد مندور نقله وناقشه فيه الشيخ، محمود شاكر في أباطيل وأسمار: ص ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>