ميخائيل من البرتغال إلى هولندا، وكان والده زعيمًا للجالية اليهودية في أمستردام وجده كان مهتمًا بأمر الكنيست اليهودي، وتلقى باروخ تربية يهودية دينية متعمقة، ودرس مبادئ التاريخ الديني والسياسي والنقدي لليهودية واطلع على كتب الفلاسفة اليهود في العصر الوسيط، وأصبح حاخامًا يهوديًا، ثم فيلسوفًا ودارسًا للعلوم الإنسانية، تأثر بالفلسفة الديكارتية وشكك في الدين والوحي، وقال بخلود المادة وأنكر خلق الخلق من عدم تأثرًا بأحد فلاسفة اليهود اسمه ابن عزرا، وكتابات متصوفة اليهود الذين يقولون بأن المادة حية.
آمن بمذهب وحدة الوجود بمفهومه الغربي الإلحادي وقال بأن الجوهر هو اللَّه وهو الطبيعة الخالقة، وهو مصدر الصفات والوجوه وهو أيضًا الطبيعة المخلوقة حيث أنه هذه الصفات والوجوه، وأنه ليس له صفات فهو لا يشاء ولا يريد وليس شخصًا معينًا -حسب قوله- كإله الديانات، وليس له عقل -حسب تعبيره- ليس له ذات ولايتعين، وقرر بأنه على قدر ما يكون للإنسان من تجارب وأفكار بقدر ما يقترب من اللَّه، أي يقترب من حالة إله، أو يصبح إلهًا بمعنى من المعاني - وهذا ما توصلت إليه الحداثة في سياق ضلالاتها العديدة.
بيد أن مصدر القوت الرئيسي الذي تغذى منه فكره كان -فيما يبدو- النصوص العبرية وكتابات جرسويندس الذي كان ينتقد المعجزات والنبؤات ويقدم العقل على الوحي، ومن هنا توجه سبينوزا لرفع مقام المعرفة العقلية، وفعل الكثير لترويج وتطوير الإلحاد - كما تقول الموسوعة الفلسفية لأكادميين سوفييت - ولقضية التفكير الحر، وأنه لا يصح للدين ولا للدولة المساس بحرية الفكر، وكان له تأثير قوي على مادية القرنين السابع عشر والثامن عشر، وأثر تفكيره الحر الديني على تطور الإلحاد، وقد أثنى إنجلز على آراء سبينوزا الفلسفية ثناءً كبيرًا، وتعاليمه تجعله خليفة لتوماس هوبز وهو الفيلسوف الإنجليزي الملحد المعادي بشدة للدين، وقد سبقت ترجمته في أول هذا البحث (١).