فهذا هو حالهم ركون إلى الحياة الدنيا، وشغف بها، وتشبث بمناهجها الأرضية ومعاييرها الدنيوية، يقود ذلك إلى سخرية من الذين آمنوا ومن دينهم وشرعهم وملتهم؛ وذلك لتباين ما بين الاتجاهين وتناقض ما بين العقيدتين.
ولشدة إغراقهم في الدنيويات والماديات يسخرون من أي معنى غيبي وأي قضية إيمانية؛ لأن قلوبهم الحيوانية لا تتجاوز حدود المحسوس، ولذلك كانوا يسخرون من نبي اللَّه نوح عليه الصلاة والسلام حينما كان يصنع السفينة ويستهزئون به ويضحكون ملء أفواههم، كيف يصنع سفينة في أرض لا بحر ولا نهر فيها؛ لأنهم لا يرون سوى العالم المادي المحسوس ولا يؤمنون بشيء سواه، قال اللَّه تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٩)} (١).
ومن جنس هذه السخرية ما نقرؤه اليوم من كتابات العلمانيين والحداثيين الذين يرون أن أمريكا والغرب لا يُمكن أن تنهار، في سياق ردهم على بعض الكتاب المسلمين الذين قالوا بأن إغراق الغرب في الفساد والانحراف والظلم والرذيلة والإلحاد والمادية سوف يكون سببًا في زوالهم.
ومن جنس هذه السخرية ما يرد به كثير من الناس اليوم على وعظ الواعظين وتنبيه المؤمنين من خطر الذنوب والمعاصي وإنها سبب لوقوع المصائب من حروب وفتن وجوائح، وجدب وقحط وغلاء معيشة وغير ذلك، فيسخر منهم المادي العلماني ويسخر الفاسق الفاجر، لأنهم جميعًا لا يرون سوى الحياة المادية الدنيوية ولا يؤمنون إلّا بما يرون ويحسون، شأن البهائم والأنعام.