للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوجد أشياء كثيرة مغيبة عن الوعي البشريّ وهي موجودة ولكن الوعي البشريّ لم يحط بها، وهناك فرق بين موجود مغيب ومعدوم غائب فالأول حقيقة غير منظورة، والثاني خرافة لن تنظر، وليس كل ما غاب عن وعينا يجب أن نتوقف فيه أو نجحده، وذلك لأننا نعيش اليوم حقائق علمية كانت بالأمس مغيبة، ونحس بآثار مغيبات أخرى، وتدلنا هذه الآثار قطعًا على وجود المغيبات المؤثرة مثل الأثير وطبقة الأوزون والغلاف الجويّ والضغط الجويّ وغيرها، وهناك مغيبات يجزم العقل والحس والوعي البشريّ بكذبها لكونها تجر إلى المحال أو تصادم الحقائق الثابتة كنظرية داروين (١) وكالنظرية القائلة بأزلية المادة وأبديتها، وأنها -حسب التعريف الإلحاديّ- "لا تفنى ولا تستحدث من العدم"، والمادة عند الماركسيين أشد الملاحدة الماديين ليست شيئًا أكثر من وجودها الخارجيّ المتمثل في ظاهراتها المتحركة المتغيرة (٢).

وهذه كافية لقصم فقار هذه الافتراضية المؤلة للمادة العمياء فيقال لهم: إن ظاهرات المادة ليست أكثر من آثار وخصائص لها وتسميتها ظاهرات اعتراف منهم بهذا، وإذا كانت هذه الظاهرات آثارًا فلابد من اليقين بوجود المؤثر (٣).

أمّا الزعم بالمادة الأولى والخلية الأولية للكائنات فزعم لا دليل من العقل ولا الحس ولا التجربة عليه مطلقًا، وعلى افتراض وجود هذه الخلية الأولى فالسؤال الحتميّ: من الذي أوجدها؟ فإن قالوا: أوجدت نفسها وقعوا في الخرافة، فليس في الوجود ولا في تصور العقل ولا في نتائج التجربة أن شيئًا يوجد نفسه؛ إذ لابد أن يكون مسبوقًا بالعدم وإلّا لزم التسلسل إلى ما لا نهاية في الماضي، وهذا محال في العقل، والعدم لا يفعل شيئًا باتفاق عقول جميع العقلاء مسلمهم وكافرهم، ولا يخالف في ذلك إلّا مجنون أو مكابر بسفسطة هي حجة عليه قبل أن تكون حجة على غيره.


(١) انظر: لن تلحد، لأبي عبد الرحمن بن عقيل: ص ٢٠٩ - ٢١١.
(٢) و (٣) انظر: نقض أوهام المادية الجدلية، لمحمد البوطي: ص ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>