إذن لابد لكل فعل من فاعل، ولكل مصنوع من صانع، ولكل موجود من موجد؛ لأن الشيء لا يُمكن أن يوجد نفسه؛ ولأن العدم لا يُمكن أن يوجد شيئًا، وهذه أوليات المحاجة، ومقدمات تزييف آرائهم الباطلة.
ثم يمكن الولوج بعد ذلك إلى ذكر قوانين العلية والسببية ودليل العناية ودليل التمانع، وغيرها من الأدلة الكاشفة لزيف دعاوى الملاحدة، والمثبتة أن اللَّه خالقٌ للكون وهو المتولي لتدبيره والتصرف فيه، كما أن في أدلة المكتشفات الحديثة والتجارب العلمية ما يؤكد هذه الحقيقة، وفي علوم الفيزياء الحديثة والأحياء والفلك ما يدل دلالة واضحة على أن الكون والإنسان والعالم كله من خلق اللَّه، أوجده بعد أن لم يكن موجودًا، ومن أراد أن ينكر كل هذه البراهين فليبطل دليل العلية والسببية، والعناية والتمانع، وليأت بالشمس من المغرب، وليمنع تعاقب الأوقات والفصول وليرفع أسباب الحياة المعيشية عن الأرض: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥)} (١).
إن الإيمان بخالق واحد أحد للكون حتمية عقلية حسية تجريبية؛ لأن الإيمان بتسلسل في الخلق لا ينتهي أمر لا يُمكن للعقول قبوله، في حين أن الإيمان بخالق، ينتهي به هذا المحال العقليّ، وذلك وفق دليل قطعيّ عقليّ هو قانون العلية، وأيهما أسلم وأصح في العقول الإيمان بشيء غير متصور عقلًا كالتسلسل وأزلية المادة، أم الإيمان بشيء حتميّ التصور والوقوع؟.
والعقل السليم لا يتصور تسلسل الخالقين إلى غير نهاية، على اعتبار أن المادة خالقة وسبب للوجود كما يقول الملاحدة، ولكنه مضطر إلى الإيمان بخالق لا أول له هو اللَّه الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد وهو الأول الذي ليس قبله شيء.
وإذا نظر العاقل إلى مماحكات الملاحدة عمومًا، والملاحدة المقلدين من العرب خصوصًا يجد أن جدلياتهم تسير ضمن منهج من المغالطات والتقريرات والألفاظ التي تتصنع العقلية والمنطقية، وتتلبس بلبوس التقدم