للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلمي زيفًا وافتراءًا، مع أن التقدم العلميّ في حقائقه لا في افتراضاته بعيد كل البعد عن دعم الإلحاد، وفي العلوم المادية والمكتشفات العلمية ما يدل بجلاء ووضوح على زيف الإلحاد ويقينية الإيمان باللَّه تعالى، غير أن الملاحدة يكثرون الادعاء، ويتبجحون بالعلم التجريبي ويتعاظمون بالتقدم العلمي، ويتسلقون على ظهور المكتشفات، وينتفشون بذكر الأسماء الأجنبية المعروفة في مجال العلوم والمعارف المادية، فيدلسون على ضعفاء العقول والإمعات وفاقدي الشخصية.

وهذه الأفكار المنحرفة لم تعش بقوة ذاتية فيها؛ لأن الوهن ملازم لكيانها، بل عاشت بقوة تحميها أو بطنطنة محترفين لها يدعون إليها أو ببهرج إعلام يزيف الحقيقة ويزين الفساد.

وإذا انتقلنا إلى الأدب العربي المعاصر -محل البحث- وما فيه من انحرافات من هذا القبيل، فإننا نجد ما يدل بجلاء على أن القوم استهدفوا دين الأمة وعقيدتها قبل أن يستهدفوا أي شيء آخر، فمنذ أن أعلن كاهن الحداثة في تلمود الحداثة الثابت والمتحول أنه ليس للخلق أول (١) والملأ من أتباعه على مسلكه يرددونه بصيغ أخرى ما قاله هناك وما قاله هنا من أن (. . . جوهر الإنسان ليس في كونه مخلوقًا بل في كونه خالقًا. . . وجوهر الإنسان في أنه كائن خلاق مغير، وجوهر الثقافة بالتالي هو إذن في الإبداع المغير) (٢).

وهنا سر المسألة في ربط الإبداع بالكفر ومزجه بالاعتقاد القائل بأبديته وأزليته وأزلية العالم، مع أن إلجام الإبداع بالزيف قتل واغتيال له؛ ولذلك لم تستطع الشيوعية المادية الملحدة أن تهرب من الميتافيزيقيا في الفن والأدب، بل كانت مغرقة في ذلك وإن ربطتها بالحاجات الاقتصادية وصراع الطبقات.


(١) الثابت والمتحول ٢ - تأصيل الأصول: ص ٧٥.
(٢) الثابت والمتحول ٣ صدمة الحداثة: ص ٢٤٨ وقد يقال بأن هذه الجملة ليست صريحة في الدلالة على المقصود، والناظر في سياق هذه الجملة وسباقها ولحاقها وخاصة ص ٢٥٠ يجد أن هذا المعنى الخاسر هو المراد عند أدونيس.

<<  <  ج: ص:  >  >>