للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انبهروا بالنظرية والفلسفة التي أدت إلى ظهورها، وأثرت في تطبيقها بعد ظهورها، وخلب لبهم اسم "العلم التجريبي" فرضخوا للدعاوى الملبسة بهذا الاسم اعتقادًا منهم أنها حقائق نهائية لا مجال لمناقشتها فضلًا عن ردها والاعتراض عليها، وتوقفوا أمام هذا الصنم الكبير بكل خشوع وخضوع، ولم يعلم هؤلاء -أرقاء العقول- أن العلم التجريبيّ ما زال في طفولته رغم الاكتشافات الكثيرة، وما زال يتقدم فيصل إلى أشياء جديدة ويلغي ما كان يعد بالأمس أنه حقائق قاطعة، وأتباع الغرب من الشرقيين لاتصلهم الأنباء إلّا متأخرة، فنظرية دارون كتب عنها بعض أتباعها ما يؤكد أنها مجرد وهم (١)، حتى قال أحدهم: (إن نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علميًا ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلّا لأن الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخلق الخاص المباشر، وهذا ما لا يُمكن حتى التفكير فيه) (٢).

وأثبتت الدراسات والتجارب المخبرية أن هذه النظرية زائفة وغير صحيحة، وخاصة الأبحاث التي تمت من قبل علماء الأحياء والتي قرروا فيها بعد تجارب كثيرة ومتنوعة أن المادة الميتة لا يُمكن أن تتحول ذاتيًا إلى مادة حية، وأن الحي لابد أن يتولد عن حي أو يشتق من حيّ (٣).

أمّا الأدلة العقلية والبراهين المنطقية الهادمة لهذه النظرية وفروعها فأكثر من أن تحصى، ولكن أتباع الإلحاد لايفقهون، كما قال اللَّه تعالى فيهم: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ


(١) وهو جوليان هكسلي من علماء الداروينية الحديثة الذي ألف كتابًا بعنوان "الإنسان في العالم الحديث" وفيه أبطل جذور نظرية داروين فيما يخص الإنسان وأثبت أنه متفرد في كل شيء في نشأته وتكوينه. انظر: معجم الفلاسفة: ص ٦٤٩، والموسوعة الفلسفية للحفني: ص ٥٠١ - ٥٠٢، والإنسان بين المادية والإسلام لمحمد قطب: ص ٢٠.
(٢) هذا قول سير آرثر كيث وهو من المتمسكين ببعض شعب نظرية النشوء والارتقاء وهو ما يسميه مذهب التطور الذاتيّ. انظر: كواشف زيوف للميداني: ص ٣٢١.
(٣) ممن قرر ذلك ونشره من علماء الأحياء "أغاسيز" والفرنسي الشهير "باستور" الذي تنسب إليه عملية التعقيم للأغذية المسماة "البسترة". انظر: كواشف زيوف: ص ٣٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>