للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى آخر هذه المقطوعة التي تمثل نموذجًا صارخًا ومثالًا واضحًا للتعبد والخضوع والخشوع، على رغم ادّعائهم المادية والجدلية والديالكتيكية، وأنهم ضد التدين وضد الغيبيات وضد العبادات، ولكننا نراهم في شقاء وثني يرتكسون وفي انحطاط جاهلي يتقلبون، وذلك من أظهر الأدلة على أن الأوثان والأصنام ليست محدودة بزمن ما قبل البعثة النبوية في جاهلية العرب الأولى، بل إنها تتمثل في نظم ومناهج ومذاهب وأشخاص وأضرحة!! والكفر ملة واحدة والطاغوت جنس واحد وإن تنوعت الأسماء وتعددت الألقاب {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. . .} (١) فكيف إذا كان الأنداد المتخذون من دون اللَّه، يحبون من دون اللَّه ويؤلهون ويقدسون؟ فكيف إذا كان مع ذلك كله البغض للَّه ولدينه وأنبيائه؟.

وهذه هي أحوال أهل الحداثة والعلمنة ممن انقلبوا على أعقابهم خاسرين وارتدوا في حمأة الجاهلية داخرين، عياذًا باللَّه من الضلال وسبله وأهله.

ومن نسبتهم التقدير والقدر إلى غير اللَّه تعالى قول المقالح عن أبرهة الأشرم:

(اسمع صوت اللئيم

يحفر لاهيا على ظهور أهلنا مهزلة القدر) (٢).

وهكذا يتضح أن المذهب المادي الذي خرجت الحداثة من تحت ردائه، ينفي قدرة اللَّه تعالى، ويجحد وجود القضاء والقدر جملة وتفصيلًا، ولكنه يؤمن في الوقت نفسه بحتمية جبرية، وقدرية دنيوية، من صنع الإنسان أو من صنع الطبيعة -حسب رأيهم- أو من صنع الأحوال والظروف الاقتصادية والاجتماعية، ولا أدل على ذلك من الحتمية الجدلية الماركسية


(١) الآية ١٦٥ من سورة البقرة.
(٢) ديوان المقالح: ص ٣٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>