للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلقى حباله على متن معروف الرصافي (١)، ويجعل منه طليعة للحداثة كما جعل من جبران، وسبب هذا الاعتبار -كما هو ملاحظ- ارتكاس هذين في مفاهيم إلحادية ومجاهرتهما بما يناقض دين الإسلام، وفي هذا دلالة واضحة على أن الحداثة عند أدونيس مرتبطة بالكفر والإلحاد ومضادة الإسلام، فمن كان كذلك فهو حداثي مبدع ولو كان يكتب بالأسلوب القديم أو بما يسمونه الشعر العمودي، وكل من ليس كذلك فهو تراثي متخثر حتى ولو كتب بالأسلوب الحديث، وهذا برهان على أن الحداثة تعني عندهم الكفر أولًا والمضمون الإلحادي قبل أي شيء.

والناظر في حيثيات اعتبار أدونيس للرصافي مجددًا يجدها تتمحور حول إنكار الدين والوحي والنبوة وجحد الغيبيات ورفض مبدأ الثواب والعقاب وقضية العبادة من صلاة وصوم، ورفض التشريعات الإسلامية، وكذلك العادات والتقاليد الاجتماعية التي قامت على أساس وتصور ديني، ومحاربة الماضي وأمجاده، ورمي التاريخ بالكذب والتضليل، والدعوة إلى الحياة الراهنة والحرية والعلم ومنجزاته (٢).

وهذه الحيثيات هي نفسها أصول وأسس الحداثة العربية، ولكل واحد من الحداثيين نصيبه من هذا الميراث الشيطاني قل ذلك أو كثر، {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} (٣)، {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (٤).


(١) هو: معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي، شاعر العراق في عصره، ولد سنة ١٢٩٤ هـ وتوفي سنة ١٣٦٤ هـ، اشتغل بالتعليم، شجع ثورة رشيد عالي الكيلاني، وكان أيام العثمانيين نائبًا في مجلس المبعوثان، له مؤلفات ودواوين شعر، وقد اعتبره أدونيس طليعة الحداثيين، لإنكاره الدين والغيبيات ورفض الشريعة والمعاد وجحد الوحي والنبوة وغير ذلك من الضلالات التي نسبها إليه. انظر: الأعلام ٧/ ٢٦٨، والمرشد لتراجم الكتاب والأدباء ص ١١٧، والثابت والمتحول ٣/ ٦١ - ٧٢.
(٢) انظر: المصدر السابق ٣/ ٦٥ - ٦٧.
(٣) الآية ٣٠ من سورة الأعراف.
(٤) الآية ٢٧ من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>