للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعذرة لمن يعتقده من شرائط الساهرة. وذلك أنه أنهى ن بقرة جرت حالها على غير القياس، فنتجت حيوانا على هيئة الناس، وفي هذا مخالفة المنتوج جنس الناتج، وذلك مما يضلل الفهم ويستوقفه؛ إذ كان مما تنكره العقول ولا تعرفه. وهذا من الإنذارات المنبهة الموقظة، والإبداعات التي تضمنت بالغ الموعظة، وفيها تحذير لمن تمادى على الآثام والمعاصي، وتذكير ليوم يؤخذ المجرمون فيه بالأقدام والنواصي. فتأملوا معشر المسلمين - رحمكم الله - هذه الحادثة وما اشتملت عليه من الوعيد، وتدبروا ما خطب به لسان التخويف فيها مسمعا للقريب والبعيد، (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) وبادروا - وفقكم الله - إلى الدعاء والابتهال، واعملوا بما ندبتم إليه من صالح الأعمال، وأقلعوا عما كنتم تمسون عليه من الخطايا وتصبحون، وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، وتوسلوا عنده بتعميركم مظان الخير ومواطنه، وانتهوا إلى ما أمركم به في قوله: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه) واعتقدوا الإخلاص في جميع ذلك وأضمروه، واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه. فهذا إذا عكفتم عليه، واجتهدتم فيه، واعتمدتم منه ما يذهب عنكم رجز الشيطان وغيه؛ حزتم من الثواب جزيلا جسيما، ونلتم في العاجلة حظا عظيما، وكنتم في الآجلة ممن قال الله فيهم تبيينا لصادق وعده وتفهما: (تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما) وقد دعاكم إيثار أمير المؤمنين إلى ما يحييكم، ونصح الله تبارك وتعالى ولرسوله فيكم، فسارعوا إلى أمره ترشدوا، وتمسكوا بهدايته توفقوا وتسعدوا. فاعلموا هذا، واعملوا به، وانتهوا إليه انتهاء من الطاعة غاية مطلوبة إن شاء الله.

من غريب الاتفاق أن أديبا أنشد المملوك بيتا لعبد الله السمطي وهو:

حار طرف تأملك ... ملك أنت أم ملك؟

فقال المملوك: هذا يليق بصفة مولانا وينبغي أن يكون ثانية:

بل تعاليت رتبة ... فلك الأرض والفلك

وكان أحد شعراء المجلس العالي - ثبت الله أيامه - ابتدأ قصيدة في ذل الوقت لما رفعت العرب رؤوسها، وسفهت نفوسها، وبطرت نعمتها، وأساءت سيرتها، فقال:

ظنوا جهادك في أعدائك الروم ... يلهيك بالشام عن قوص وإخميم

وما دروا أنك الشمس المنيرة في الس ... بع السموات والسبع الأقاليم

فاستعظم المملوك تفاوت الخاطرين في الوصف؛ واتفاقهما في الوقت. وذكر المملوك بالإجازة ما روي من أن بعض الخلفاء سأل يوما عمن ببابه من الشعراء فذكروا له، فأمر بإحضارهم، فلما صاروا بين يديه قال: قد قلت بعض بيت فهل فيكم من يكمله؟ قالوا: وما هو يا أمير المؤمنين؟ فقال: الملك لله وحده فقال أحدهم ارتجالاً: وللخليفة بعده فقال: أحسنت، فهل من زيادة؟ فقال: وللمحب إذا ما=حبيبه بات عنده فأمر له بصلة سنية.

وحكي أن أبا نواس، والعباس بن الأحنف، والحسين بن الضحاك الخليع، ومسلم بن الوليد، ويحيى بن معلى؛ خرجوا في متنزه لهم، وأدركت صلاة المغرب، فقام يحيى يصلي بهم، فنسي (الحمد) وارتج عليه في: (قل هو الله أحد) فقال أحدهم:

أكثر يحيى غلطا ... في: قل هو الله أحد

فقال الآخر:

قام يصلي ساهيا ... حتى إذا أعيا سجد

فقال الآخر:

يزحر في محرابه ... زحير حبلى بولد

فقال الآخر:

كأنما لسانه ... شد بحبل من مسد

فقال بعض المتأخرين ما جرته الحكاية، وأغفله الجماعة:

ونسي (الحمد) فما ... مرت له على خلد

[فصل]

بعض العصريين:

وقد كان هذا البحر ليس يجوزه ... سوى خائف من ذنبه ومخاطر

فأضحى بمن ينتاب جودك عامرا ... كأن عليه محكمات القناطر

وفيه ملامحة لقول دعبل:

وقال أناس إذ رأوا فضل مدحتي ... لعمران والنائي المكارم يمدح

أتطمع في عمران والبحر دونه؟ ... فقلت: نوال البحر يحسن يسبح

وهما يلتقيان من وجه، ويفترقان من آخر. فوجه التقائهما: أن البحر صراط بين ممدوحيهما، ووجه افتراقهما: أن أحدهما يسعى إلى النوال، والآخر يسعى النوال إليه، إلا أن قوله: محكمات القناطر، مما ملح فيه.

فصل

<<  <   >  >>