اللهم وألن في طاعتي القلوب القاسية، ومكن قواعد مملكتي لتكون راسخة راسية، واجعل الألسنة بصالح الأدعية لي لا غافلة ولا ناسية.
اللهم وأعني على ما استرعيتني ووفقني فيما استصلحتني له وارتضيتني، وأيدني بروح منك لتصلح شؤوني، ويصح تدبيري، وأرشدني إلى ما يحظى لديك عند مآلي إليك ومصيري، يا من لا يرد من أخلص في دعائه، ولا يحرم من وثق بعطائه، ولا يخيب من استمسك بالعروة الوثقى من تأميله ورجائه. إنك اللطيف الخبير، وأنت على كل شيء قدير.
(وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) وصلى الله على سيد المرسلين، محمد خاتم النبيين وعلى آله الطاهرين وسلم تسليما، (وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل) .
[رسالة سماها عقائل الفضائل]
أفضل الكلام أصدقه وأنفعه، وأشرف البيان أسبقه إلى الفهم وأسرعه، ولقد حكي عن المأمون أنه قال: أريت في المنام رجلا على الهيئة التي يوصف الحكماء بها، خيل إلي أنه أرسطاليس، فتقدمت إليه، وسلمت عليه، وقلت له: أيها الحكيم، ما خير الكلام؟ فقال: ما يستقيم في الرأي، قلت: ثم ماذا؟ فقال: ما يدل قليله على كثيره، قلت: ثم ماذا؟ فقال: ما لا تخشى عاقبته، قلت: ثم ماذا؟ فقال: لا ثم! فإذا كان غاية الوصف الذي ختم به مقاله أن يكون المتكلم كفافا لا عليه ولا له؛ فالكلام الذي يوجب أجراً أوفى رتبة وأعلى، والمقال الذي يذهب وزرا أسنى قيمة وأغلى، وذلك لا يجود إلا في تعظيم الله وحمده، ومواصلة شكره الذي به استنجاز وعده. والصلاة على سيد المرسلين محمد نبيه وعبده، وعلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أول من آمن به وتمسك بعهده، وعلى الأئمة من ذريته، العامل كل منهم في سياسة الأمة بغاية جهده، ثم الثناء على كل ملك وقع الاتفاق على فضله، وتساوت رعاياه في إنصافه وعدله، وحاز الشكر بلسان الإجماع، وألقت شيمه التنافس بين الأبصار والأسماع.
ولما كان مولانا الملك أفضل ملوك هذه الدار، وأعدل من أعين بمساعدة الأقدار، وأشرف من خدمه التوفيق في الإيراد والإصدار، ومن أبى في أحكام الأمة سوى مساواتها، وملك القلوب فكان أحق بها من سويداواتها، وأولى من النعم ما أوفى على السؤال والأرب، وبنى للعجم من الشرف مثل ما بناه رسول الله للعرب، ولم يرض عند الله تعالى بدون المنزلة العظمى والدرجة العليا، فاشترى الدار الآخرة بحسن سيرته وأفعاله في هذه الدار الدنيا.
كان أوفى ما استعمله الناطق، وأولى ما استكثر من الإخبار به الصادق؛ أن يورد من خصائصه وصفاته، ويذكر من أفعاله وحسناته ما يتوخى فيه قول الحق والصواب، وينال به عند الله جزيل الأجر والثواب. وحين عزم المملوك على ذلك رأى أن الكلام يشرف بمن ينسب إليه ويعزى، وجلالة الموصوف تكسب الواصف افتخارا وعزا، وقد قيل: إن القول يعظمه قائله، ولو قلت عقائله، فكيف إذا جمع المعنيين، ولم يكتف بإحدى الحُسنيين؟! وقد وصف مولانا الملك من الأئمة الخلفاء - صلوات الله عليهم - بما لا يحصيه عدد، ونال من ذلك ما لم ينله قبله أحد. والمملوك يقتصر من هذا الباب على فصول من جملة ما أنشأه عن الحضرة الطاهرة الآمرية - صلى الله عليها - مما ثبت في السجلات، وصدر إلى الأعمال والجهات، فتوج فروق المنابر، وبين عن الشرف الذي ورثه مولانا الملك كابرا عن كابر، واستوطأ مهادا من قبل كل سامع، وتضوع أرج ذكره في المحافل والمجامع، فهو - ثبت الله سلطانه - مستقر في دار مملكته السعيدة، وأحاديث فضله تجول في البلاد القصية والأماكن البعيدة.