وشممت وردة خده ... نظرا ونرجس مقلتيه
فقلت: أحسنت، وجودت شمك بالنظر، كسماع أبي الطيب بالبصر حيث يقول:
خلفت صفاتك في العيون كلامه ... كالخط يملأ مسمعي من أبصرا
وهذا - وإن لم يكن من هذا الباب من كل جهة - فهو من أولى ما أورد معه.
وكذلك قول مهيار:
خان بكاء العين أجفانه ... فناح، والنوح بكاء الفم
لأن النوح والبكاء ليسا عضوين.
ولابن رشيق في جواب كتاب:
أسمعت عيني ما اشتهت ... بلسان هاتيك اليراعة
وقول الشريف الرضي:
عزني أن أرى الديار بعيني ... فلعلي أرى الديار بسمعي
وكان المملوك يوما مع صديق له وهما سائران في الطريق، فلقيهما ضرير، فلما سمع وقع حوافر الدواب؛ جعل يتوقف ويتحسس، وأخذ يتنصت ويتجسس، فقال المملوك لرفيقه: تأمل هذا الضرير كيف يتبصر بسمعه ولم يكن شيء من هذا الباب حينئذ على ذكره، فاستجاد العبارة، واستحسن الاستعارة.
ولأبي الطيب:
خير أعضائنا الرؤوس ولكن ... فضلتها لقصدك الأقدام
ولحسن بن عبد الصمد:
تعطي وسمعك بالملام مشنف ... فكأن راحتك الكريمة تسمع
ولابن حيوس:
قواف هي الخمر الحلال وكأسها ... لساني ولكن بالمسامع تشرب
وقد أجاد ابن القمي وزاد بقوله:
ولي سنة لم أدر ما سنة الكرى ... كأن جفوني مسمعي والكرى العذل
ونظائره كثيرة.
قد قدم المملوك في صدر هذا الجزء اعتذاره في ذكر القليل وإيراده، واحتجاجه على توخي اليسير واعتماده، لما خص به المقام الأعظم - ثبت الله سلطانه - من المهابة التي تحجز عن الإطالة، وتمنع من دواعي السآمة والملالة، ولولا ذلك لتوسع فيما يجمعه، واستكثر مما يصنعه، تقربا إلى مالكه باجتهاده، وحرصا على تطلب الحظ وارتياده، والله تعالى يقضي له بارتضاء خدمه وإن كانت مختصرة لطيفة، ويجعل السعود - أبدا - محدقة بمجلس مالكه مطيفة، ويوزعه شكر النعمة فيما ناله من إحسانه وشمله، ويبلغه في الخدمة الشريفة بغيته ورجاءه وأمله، بمنه وطوله وقدرته وحوله إن شاء الله عز وجل.
[رسالة مناجاة شهر رمضان]
[مناجاة شهر رمضان]
أيام المواسم مكرمة مفضلة، وأوقاتها مرفوعة أعمالها متقبلة، بدليل فضل شهر رمضان عند من علمه وعرفه، وحصول الإجماع على ما شرف الله تعالى به يوم عرفة، فالصائم إذا نادى لباه الله - سبحانه - وأجابه، والمؤمن إذا ناجى حرم الله رده ومنع حجابه، لأنه كتب على نفسه قبول ما كان له - جل وعلا - فيه رضى، وجعل فاعل ذلك لا يخاف مخالفا فيه ولا معترضا.