التَّقَدُّم والتأخر بِرُكْن أَو أَكثر وَبِه يشْعر خبر إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة الْآتِي
وَمن عدهَا أركانا فَذَاك لاستقلالها وَصدق اسْم السُّجُود وَنَحْوه بِدُونِهَا وَجعلت أركانا لتغايرها باخْتلَاف محلهَا وَمن جعلهَا ركنا وَاحِدًا فلكونها جِنْسا وَاحِدًا كَمَا عدوا السَّجْدَتَيْنِ ركنا لذَلِك
الأول (النِّيَّة) لِأَنَّهَا وَاجِبَة فِي بعض الصَّلَاة وَهُوَ أَولهَا لَا فِي جَمِيعهَا فَكَانَت ركنا كالتكبير وَالرُّكُوع
وَقيل هِيَ شَرط لِأَنَّهَا عبارَة عَن قصد فعل الصَّلَاة فَتكون خَارج الصَّلَاة وَلِهَذَا قَالَ الْغَزالِيّ هِيَ بِالشّرطِ أشبه
وَالْأَصْل فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين} قَالَ الْمَاوَرْدِيّ وَالْإِخْلَاص فِي كَلَامهم النِّيَّة
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل امرىء مَا نوى
وأجمعت الْأمة على اعْتِبَار النِّيَّة فِي الصَّلَاة وَبَدَأَ بهَا لِأَن الصَّلَاة لَا تَنْعَقِد إِلَّا بهَا فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي فرضا وَلَو نذرا أَو قَضَاء أَو كِفَايَة وَجب قصد فعلهَا لتتميز عَن سَائِر الْأَفْعَال وتعيينها لتتميز عَن سَائِر الصَّلَوَات وَتجب نِيَّة الْفَرْضِيَّة لتتميز عَن النَّفْل وَلَا تجب فِي صَلَاة الصَّبِي كَمَا صَححهُ فِي التَّحْقِيق وَصَوَّبَهُ فِي الْمَجْمُوع خلافًا لما فِي الرَّوْضَة وَأَصلهَا لِأَن صلَاته تقع نفلا فَكيف يَنْوِي الْفَرْضِيَّة وَلَا تجب الْإِضَافَة إِلَى الله تَعَالَى لِأَن الْعِبَادَة لَا تكون إِلَّا لَهُ تَعَالَى وتستحب ليتَحَقَّق معنى الْإِخْلَاص وتستحب نِيَّة اسْتِقْبَال الْقبْلَة وَعدد الرَّكْعَات وَلَو غير الْعدَد كَأَن نوى الظّهْر ثَلَاثًا أَو خمْسا لم تَنْعَقِد
وَتَصِح نِيَّة الْأَدَاء بنية الْقَضَاء وَعَكسه عِنْد جهل الْوَقْت لغيم أَو نَحوه كَأَن ظن خُرُوج الْوَقْت فَصلاهَا قَضَاء فَبَان وقته أَو ظن بَقَاء الْوَقْت فَصلاهَا أَدَاء فَبَان خُرُوجه لاستعمال كل بِمَعْنى الآخر تَقول قضيت الدّين وأديته بِمَعْنى وَاحِد
قَالَ تَعَالَى {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} أَي أديتم أما إِذا فعل ذَلِك عَالما فَلَا تصح صلَاته لتلاعبه كَمَا نَقله فِي الْمَجْمُوع عَن تصريحهم
نعم إِن قصد بذلك الْمَعْنى اللّغَوِيّ لم يضرّهُ كَمَا قَالَه فِي الْأَنْوَار وَلَا يشْتَرط التَّعَرُّض للْوَقْت فَلَو عين الْيَوْم وَأَخْطَأ لم يضر كَمَا هُوَ قَضِيَّة كَلَام أصل الرَّوْضَة
وَمن عَلَيْهِ فوائت لَا يشْتَرط أَن يَنْوِي ظهر يَوْم كَذَا بل يَكْفِيهِ نِيَّة الظّهْر أَو الْعَصْر وَالنَّفْل ذُو الْوَقْت أَو ذُو السَّبَب كالفرض فِي اشْتِرَاط قصد فعل الصَّلَاة وتعيينها كَصَلَاة الْكُسُوف وراتبة الْعشَاء
قَالَ فِي الْمَجْمُوع وكسنة الظّهْر الَّتِي قبلهَا أَو الَّتِي بعْدهَا وَالْوتر صَلَاة مُسْتَقلَّة فَلَا يُضَاف إِلَى الْعشَاء فَإِن أوتر بِوَاحِدَة أَو بِأَكْثَرَ ووصلى نوى الْوتر وَإِن فصل نوى بالواحدة الْوتر
وَيتَخَيَّر فِي غَيرهَا بَين نِيَّة صَلَاة اللَّيْل أَو مُقَدّمَة الْوتر وسنته وَهِي أولى أَو رَكْعَتَيْنِ من الْوتر على الْأَصَح هَذَا إِذا نوى عددا فَإِن قَالَ أُصَلِّي الْوتر وَأطلق صَحَّ وَيحمل على مَا يُريدهُ من رَكْعَة إِلَى إِحْدَى عشرَة وترا وَلَا تشْتَرط نِيَّة النفلية
وَيَكْفِي فِي النَّفْل الْمُطلق وَهُوَ الَّذِي لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَلَا سَبَب نِيَّة فعل الصَّلَاة
وَالنِّيَّة بِالْقَلْبِ بِالْإِجْمَاع لِأَنَّهَا الْقَصْد فَلَا يَكْفِي النُّطْق مَعَ غَفلَة الْقلب بِالْإِجْمَاع وَفِي سَائِر الْأَبْوَاب كَذَلِك وَلَا يضر النُّطْق بِخِلَاف مَا فِي الْقلب كَأَن قصد الصُّبْح وَسبق لِسَانه إِلَى الظّهْر وَينْدب النُّطْق بالمنوي قبيل التَّكْبِير ليساعد اللِّسَان الْقلب وَلِأَنَّهُ أبعد عَن الوسواس وَلَو عقب النِّيَّة بِلَفْظ إِن شَاءَ الله أَو نَوَاهَا وَقصد بذلك التَّبَرُّك أَو أَن الْفِعْل وَاقع بِمَشِيئَة الله لم يضر أَو التَّعْلِيق أَو أطلق لم يَصح للمنافاة
(فَائِدَة) لَو قَالَ شخص لآخر صل فرضك وَلَك عَليّ دِينَار فصلى بِهَذِهِ النِّيَّة لم يسْتَحق الدِّينَار وأجزأته صلَاته وَلَو نوى الصَّلَاة وَدفع الْغَرِيم صحت صلَاته لِأَن دَفعه حَاصِل وَإِن لم يُنَوّه بِخِلَاف مَا لَو نوى بِصَلَاتِهِ فرضا ونفلا غير تَحِيَّة وَسنة وضوء لتشريكه بَين عبادتين لَا تندرج إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى
وَلَو قَالَ أُصَلِّي لثواب الله تَعَالَى أَو للهرب من عِقَابه صحت صلَاته خلافًا للفخر الرَّازِيّ