(ضَابِط الدّباغ) والدبغ نزع فضوله وَهِي مائيته ورطوبته الَّتِي يُفْسِدهُ بَقَاؤُهَا ويطيبه نَزعهَا بِحَيْثُ لَو نقع فِي المَاء لم يعد إِلَيْهِ النتن وَالْفساد وَذَلِكَ إِنَّمَا يحصل بحريف بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء كالقرظ والعفص وقشور الرُّمَّان وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الطَّاهِر كم ذكر وَالنَّجس كذرق الطُّيُور وَلَا يَكْفِي التجميد بِالتُّرَابِ وَلَا بالشمس وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَا ينْزع الفضول
وَإِن جف الْجلد وَطَابَتْ رَائِحَته لِأَن الفضلات لم تزل وَإِنَّمَا جمدت بِدَلِيل أَنه لَو نقع فِي المَاء عَادَتْ إِلَيْهِ العفونة
(القَوْل فِي حكم الْجلد بعد الدبغ) وَيصير المدبوغ كَثوب مُتَنَجّس لملاقاته للأدوية النَّجِسَة أَو الَّتِي تنجست بِهِ قبل طهر عينه فَيجب غسله لذَلِك فَلَا يصلى فِيهِ وَلَا عَلَيْهِ قبل غسله وَيجوز بَيْعه قبله مَا لم يمْنَع من ذَلِك مَانع وَلَا يحل أكله سَوَاء كَانَ من مَأْكُول اللَّحْم أم من غَيره لخَبر الصَّحِيحَيْنِ إِنَّمَا حرم من الْميتَة أكلهَا وَخرج بِالْجلدِ الشّعْر لعدم تأثره بالدبغ
قَالَ النَّوَوِيّ ويعفى عَن قَلِيله
(إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير) فَلَا يطهره الدبغ قطعا لِأَن الْحَيَاة فِي إِفَادَة الطَّهَارَة أبلغ من الدبغ والحياة لَا تفِيد طَهَارَته
(و) كَذَا (مَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا) مَعَ حَيَوَان طَاهِر لما ذكر (وَعظم) الْحَيَوَانَات (الْميتَة وشعرها) وقرنها وظفرها وظلفها (نجس) لقَوْله تَعَالَى {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم} وَتَحْرِيم مَا لَا حُرْمَة لَهُ وَلَا ضَرَر فِيهِ يدل على نَجَاسَته وَالْميتَة مَا زَالَت حَيَاتهَا بِغَيْر ذَكَاة شَرْعِيَّة فَيدْخل فِي الْميتَة مَا لَا يُؤْكَل إِذا ذبح وَكَذَا مَا يُؤْكَل إِذا اخْتَلَّ فِيهِ شَرط من شُرُوط التذكية كذبيحة الْمَجُوسِيّ وَالْمحرم للصَّيْد وَمَا ذبح بالعظم وَنَحْوه
(القَوْل فِي مَا قطع من حَيّ) والجزء الْمُنْفَصِل من الْحَيّ كميتة ذَلِك الْحَيّ إِن كَانَ طَاهِرا فطاهر وَإِن كَانَ نجسا فنجس لخَبر مَا قطع من حَيّ فَهُوَ كميتته رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ على شَرط الشَّيْخَيْنِ فالمنفصل من الْآدَمِيّ أَو السّمك أَو الْجَرَاد طَاهِر وَمن غَيرهَا نجس
(إِلَّا شعر) أَو صوف أَو ريش أَو وبر الْمَأْكُول فطاهر بِالْإِجْمَاع وَلَو نتف مِنْهَا أَو انتتفت
قَالَ الله تَعَالَى {وَمن أصوافها وأوبارها وَأَشْعَارهَا أثاثا ومتاعا إِلَى حِين} وَهُوَ مَحْمُول على مَا أَخذ بعد التذكية أَو فِي الْحَيَاة على مَا هُوَ الْمَعْهُود وَلَو شككنا فِيمَا ذكر هَل انْفَصل من طَاهِر أَو نجس حكمنَا بِطَهَارَتِهِ لِأَن الأَصْل الطَّهَارَة
وشككنا فِي النَّجَاسَة وَالْأَصْل عدمهَا بِخِلَاف مَا لَو رَأينَا قِطْعَة لحم وشككنا هَل هِيَ من مذكاة أَو لَا لِأَن الأَصْل عدم التذكية وَالشعر على الْعُضْو المبان نجس إِذا كَانَ الْعُضْو نجسا تبعا لَهُ وَالشعر الْمُنْفَصِل من (الْآدَمِيّ) سَوَاء انْفَصل مِنْهُ فِي حَال حَيَاته أم بعد مَوته طَاهِر لقَوْله تَعَالَى {وَلَقَد كرمنا بني آدم} وَقَضِيَّة التكريم أَن لَا يحكم بِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ وَسَوَاء الْمُسلم وَغَيره وَأما قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس} فَالْمُرَاد بِهِ نَجَاسَة الِاعْتِقَاد أَو اجتنابهم كالنجس لَا نَجَاسَة الْأَبدَان
وَتحل ميتَة السّمك وَالْجَرَاد لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ السّمك وَالْجَرَاد والكبد وَالطحَال
ثمَّ اعْلَم أَن الْأَعْيَان جماد وحيوان فالجماد كُله طَاهِر لِأَنَّهُ خلق لمنافع الْعباد وَلَو من بعض الْوُجُوه
قَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا}