يتساهل فِي أمره أَو على أَن الْملك لَيْسَ يدْرِي مَا يتعاطاه من قَبِيح أَفعاله فَأَخذه الْملك بَغْتَة وَعرض عَلَيْهِ جَرِيدَة قد دونت فِيهَا جَمِيع فواحشه وجناياته ذرة ذرة وخطوة خطْوَة وَالْملك قاهر متسلط غيور على حريمه ومنتقم من الجناة على ملكه غير ملتفت إِلَى من يتشفع إِلَيْهِ فِي العصاة عَلَيْهِ فَانْظُر إِلَى هَذَا الْمَأْخُوذ كَيفَ يكون حَاله قبل نزُول عَذَاب الْملك بِهِ من حُلُول الْخَوْف والخجلة وَالْحيَاء والتحسر والندم فَهَذَا حَال الْمَيِّت الْفَاجِر المغتر بالدنيا المطمئن إِلَيْهَا قبل نزُول عَذَاب الْقَبْر بِهِ بل عِنْد مَوته نَعُوذ بِاللَّه مِنْهُ فَهَذِهِ حَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت شَاهدهَا أَرْبَاب البصائر بمشاهدة باطنة أقوى من مُشَاهدَة الْعين
وَعَن عَمْرو بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ مَا من ميت يَمُوت إِلَّا وَهُوَ يعلم مَا يكون فِي أَهله بعده وَإِنَّهُم ليغسلونه ويكفنونه وَإنَّهُ لينْظر إِلَيْهِم اه
إِذْ الرّوح بَاقِيَة على مَا كَانَ لَهَا قبل مُفَارقَة الْجَسَد من الْعلم والإدراك والفرح والحزن واللذة والألم وَنَحْو ذَلِك وَإِنَّمَا الَّذِي تسبب عَن الْمَوْت انْقِطَاع تصرف الرّوح فِي الْجَوَارِح فَصَارَ فِي جَمِيع الْجَسَد ظَاهرا وَبَاطنا زمانة عَامَّة فتنعدم حواس الْجِسْم وحركاته وَيصير أَهلا للنتن والبلى
(صَلَاة الْمَيِّت فرض كِفَايَة كغسله) وَسَائِر تَجْهِيزه أَي يجب فِي الْمَيِّت الْمُسلم غير شَهِيد المعركة وَغير السقط وَلَو قَاتل نَفسه خَمْسَة أَشْيَاء غسله وتكفينه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَحمله وَدَفنه على سَبِيل فرض الْكِفَايَة إِن علم بِمَوْتِهِ جمَاعَة فَإِن لم يعلم بِهِ إِلَّا وَاحِد تعين عَلَيْهِ وَمَتى قَامَ بذلك وَاحِد سقط الطّلب عَن الْجَمِيع فَإِن لم يعلم بِهِ أحد إِلَّا بعد ظُهُور رَائِحَته فَلَا حُرْمَة على أحد لعدم الْعلم بِهِ نعم يحرم على نَحْو جَاره مِمَّن حَقه السُّؤَال عَنهُ
أما الْكَافِر فَإِن كَانَ ذِمِّيا وَجب تكفينه وَدَفنه وَفَاء بِذِمَّتِهِ وعلينا مُؤَن تَجْهِيزه حَيْثُ لم يكن لَهُ تَرِكَة وَلَا من تجب عَلَيْهِ نَفَقَته وَتحرم الصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يجب غسله وَإِن كَانَ حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا فَلَا يجب فِيهِ شَيْء بل يجوز إغراء الْكلاب على جيفته نعم إِن تضرر الْمُسلمُونَ برائحته وَجَبت مواراته دفعا للضَّرَر عَنْهُم
الأول من الْخَمْسَة الَّتِي تجب فِي الْمَيِّت الْمُسلم غير الشَّهِيد وَغير السقط غسله فَيَكْفِي الْغسْل من كَافِر وَإِن كَانَ يحرم اطِّلَاعه على بدن الْمُسلم كَالْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّة وَلَا يَكْفِي الْغَرق وَلذَا قَالَ (وَلَو غريقا) لأَنا مأمورون بِغسْلِهِ فَلَا يسْقط الْفَرْض عَنَّا إِلَّا بفعلنا أَعنِي جنس الْمُكَلّفين وَلَو صَبيا غير مُمَيّز أَو مَجْنُونا أَو من الْجِنّ أَو تغسيل الْمَيِّت نَفسه كَرَامَة كَمَا وَقع من سَيِّدي عبد الله المنوفي وَمن سَيِّدي أَحْمد البدوي نفعنا الله بهما وَلَو مَاتَ موتا حَقِيقِيًّا ثمَّ جهز ثمَّ أحيى حَيَاة حَقِيقِيَّة ثمَّ مَاتَ وَجب تجهيز آخر وَلَا يَكْفِي تغسيل الْمَلَائِكَة لأَنهم لَيْسُوا من جنس الْمُكَلّفين بِخِلَاف التَّكْفِين والدفن لِأَن الْقَصْد مِنْهُمَا المواراة والستر وَقد حصل وَمثلهمَا الْحمل وَالْمَقْصُود من الْغسْل التَّعَبُّد بفعلنا لَهُ بِدَلِيل أَنه لَو مَاتَ عقب اغتساله بِالْمَاءِ يجب غسله وَأَنا لَو عجزنا عَن طَهَارَته بِالْمَاءِ وَجب تيَمّمه مَعَ أَنه لَا نظافة فِيهِ وَلِهَذَا ينبش للْغسْل لَا للتكفين
وَأَقل الْغسْل حَاصِل (بتعميم بدنه بِالْمَاءِ) مرّة وَاحِدَة من غير حَائِل وَلَا تجب فِيهِ نِيَّة لِأَن الْقَصْد بِهِ النَّظَافَة وَهِي لَا تتَوَقَّف على نِيَّة لَكِن تسن وأكمله أَن يغسل فِي خلْوَة لَا يدخلهَا إِلَّا الْغَاسِل وَمن يُعينهُ وَالْأولَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute