فصل فِي التَّعْزِير
وَهُوَ لُغَة التَّأْدِيب وَشرعا تَأْدِيب على ذَنْب لَا حد فِيهِ وَلَا كَفَّارَة غَالِبا وَمن غير الْغَالِب قد يشرع التَّعْزِير حَيْثُ لَا مَعْصِيّة كَفعل غير مُكَلّف مَا يُعَزّر بِهِ الْمُكَلف أَو يحد وَكَمن يكْتَسب باللهو الْمُبَاح فللولي تَعْزِير الْآخِذ والمعطي للْمصْلحَة وَقد يَنْتَفِي التَّعْزِير مَعَ انْتِفَاء الْحَد وَالْكَفَّارَة كَقطع شخص أَطْرَاف نَفسه وكما فِي صَغِيرَة لَا حد فِيهَا وَأول زلَّة وَلَو كَبِيرَة صدرتا مِمَّن لم يعرف بِالشَّرِّ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم إِلَّا الْحُدُود
وَفسّر هَذَا الحَدِيث بذلك الْمَذْكُور وَكَمن رأى زَانيا مُحصنا بأَهْله فَقتله لعذره إِذْ الْقَتْل جَائِز بَاطِنا إِذا عجز عَن إِثْبَات زِنَاهُ عِنْد الْحَاكِم لَكِن يقْتَصّ بِهِ ظَاهرا بِخِلَاف من قدر عَلَيْهِ فَلَا يجوز الْقَتْل لِإِمْكَان رَفعه للْحَاكِم وكقذفه لمن لاعنها وتكليفه رَقِيقه أَو دَابَّته مَا لَا يُطيق وَضرب حليلته تَعَديا وَوَطئهَا فِي دبرهَا قبل نهي الْحَاكِم لَهُ فِي الْجَمِيع وَقد يجْتَمع التَّعْزِير مَعَ الْكَفَّارَة كَمَا فِي الظِّهَار وَالْيَمِين الْغمُوس إِذا اعْترف بحلفه كذبا وإفساد يَوْم من رَمَضَان بجماع حليلته وَقد يجْتَمع التَّعْزِير مَعَ الْحَد كتعليق يَد السَّارِق فِي عُنُقه سَاعَة زِيَادَة فِي نكاله وَقد يجْتَمع الْكل كمن زنى بِأُمِّهِ فِي الْكَعْبَة صَائِما رَمَضَان معتكفا محرما فَيلْزمهُ الْحَد وَالْعِتْق والبدنة وَالتَّعْزِير لقطع رَحمَه وانتهاك حُرْمَة الْكَعْبَة
(وَيُعَزر) أَي الإِمَام أَو نَائِبه (لمعصية) لله أَو للآدمي (لَا حد) أَي لَا عُقُوبَة (لَهَا وَلَا كَفَّارَة غَالِبا) كمباشرة أَجْنَبِيَّة فِي غير الْفرج وَسَب لَيْسَ بِقَذْف كَمَا أفتى بالتعزير عَليّ كرم الله وَجهه فِيمَن قَالَ لآخر يَا فَاسق يَا خَبِيث وتزوير كمحاكاة خطّ الْغَيْر وَشَهَادَة زور وَضرب بِغَيْر حق بِخِلَاف الزِّنَا لإيجابه الْحَد وَبِخِلَاف التَّمَتُّع بِطيب وَنَحْوه فِي الْإِحْرَام لإيجابه الْكَفَّارَة وَيكون التَّعْزِير (بِضَرْب) غير مبرح (أَو حبس) أَو توبيخ بِاللِّسَانِ أَو تغريب دون سنة فِي الْحر وَدون نصفهَا فِي غَيره أَو كشف رَأس أَو تسويد وَجه أَو حلق رَأس لمن يكرههُ أَو إركابه الْحمار مثلا منكوسا والدوران بِهِ كَذَلِك بَين النَّاس أَو تهديده بأنواع الْعُقُوبَات أَو صلبه ثَلَاثَة أَيَّام فَأَقل فيجتهد الإِمَام فِي جنس التَّعْزِير وَقدره لاحتلافه باخْتلَاف مَرَاتِب النَّاس والمعاصي وَله الْعَفو فِيمَا يتَعَلَّق بِحَق الله تَعَالَى إِن رأى الْمصلحَة
(وعزر أَب) وَإِن علا (ومأذونه) كالمعلم (صَغِيرا) ومجنونا وسفيها للتعلم وَسُوء الْأَدَب وأدب السَّيِّد رَقِيقه وَلَو لحق الله تَعَالَى (و) عزّر (زوج) امْرَأَته (لحقه) كالنشوز لَا لحقه تَعَالَى وَيصدق فِي ذَلِك بِالنِّسْبَةِ لعدم تعزيره لَا لسُقُوط نَفَقَتهَا وَلَو عَفا مُسْتَحقّ الْحَد فَلَا يجوز للْإِمَام التَّعْزِير وَلَا الْحَد أَو مُسْتَحقّ التَّعْزِير فَلهُ التَّعْزِير لتَعَلُّقه بنظره وَإِن كَانَ لَا يَسْتَوْفِيه إِلَّا بعد طلب مُسْتَحقّه وَلَا يجوز تَركه إِن كَانَ لآدَمِيّ عِنْد طلبه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute