الْحَاجة لَا سِيمَا قُبُور الْأَوْلِيَاء وَالْعُلَمَاء وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهَا لَا تعرف إِلَّا بذلك عِنْد تطاول السنين وَيكرهُ أَن يَجْعَل على الْقَبْر مظلة كقبة لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ رأى قبَّة فنحاها وَقَالَ دَعوه يظله عمله وَإِن كَانَت الأَرْض مسبلة للدفن وَهِي الَّتِي جرت عَادَة أهل الْبَلَد بالدفن فِيهَا حرم الْبناء وَهدم
وَاسْتثنى بَعضهم قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَنَحْوهم وَلَو كَانَ بقبة لإحياء الزِّيَارَة والتبرك بهم وَأفْتى بِهِ الْحلَبِي وَقَالَ أَمر بِهِ الشَّيْخ الزيَادي مَعَ ولَايَته وكل ذَلِك لم يرتضه الْعَلامَة الشَّوْبَرِيّ وَقَالَ الْحق خِلَافه وقبة الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَيست فِي الأَرْض المسبلة بل هِيَ فِي دَار ابْن عبد الْحَكِيم وَلَو وجد بِنَاء فِي أَرض مسبلة وَلم يعلم أصل وَضعه هَل هُوَ بِحَق أَو لَا ترك لاحْتِمَال أَنه وضع بِحَق نعم لَو كَانَ الْبناء فِي المسبلة لخوف نبش سَارِق أَو سبع أَو تخرق سيل جَازَ وَلَا يهدم
(و) كره جُلُوس على الْقَبْر الْمُحْتَرَم واتكاء عَلَيْهِ واستناد إِلَيْهِ و (وَطْء عَلَيْهِ إِلَّا لضَرُورَة) أَي حَاجَة بِأَن حَال الْقَبْر عَمَّن يزوره وَلَو أَجْنَبِيّا بِأَن لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا بِوَطْئِهِ فَلَا يكره وَفهم بِالْأولَى عدم الْكَرَاهَة لضَرُورَة الدّفن
وَالْحكمَة فِي عدم الْجُلُوس وَنَحْوه توقير الْمَيِّت واحترامه
وَأما خبر مُسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لِأَن يجلس أحدكُم على جَمْرَة فتخلص إِلَى جلده خير لَهُ من أَن يجلس على قبر ففسر الْجُلُوس عَلَيْهِ بِالْجُلُوسِ للبول وَالْغَائِط وَهُوَ حرَام بِالْإِجْمَاع
أما غير الْمُحْتَرَم كقبر مُرْتَد وحربي فَلَا كَرَاهَة فِي الْجُلُوس وَنَحْوه وَلَا يحرم الْبَوْل والتغوط على قبورهما
(و) لَا يجوز نبش الْقَبْر بعد دفن الْمَيِّت وَقبل البلى عِنْد أهل الْخِبْرَة بِتِلْكَ الأَرْض للنَّقْل وَلَو لنَحْو مَكَّة أَو غَيره كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وتكفينه إِلَّا لوَاحِد من خَمْسَة الأول مَا إِذا دفن بِلَا غسل وَلَا تيَمّم بِشَرْطِهِ وَهُوَ مِمَّن يجب غسله فَحِينَئِذٍ (نبش) وجوبا (لغسل) تداركا للطهر الْوَاجِب مَا لم يتَغَيَّر ثمَّ يصلى عَلَيْهِ
الثَّانِي مَا إِذا دفن بِأَرْض أَو ثوب مغصوبين وطالب بهما مالكهما فَيجب نبشه وَإِن تغير إِذا وجد مَا يُكفن فِيهِ غير الثَّوْب الْمَغْصُوب وَإِلَّا فَلَا يجوز
الثَّالِث مَا إِذا وَقع فِي الْقَبْر مَال وَإِن قل كخاتم وَطَلَبه مَالِكه فَيجب النبش وَإِن تغير
الرَّابِع مَا لَو بلع مَالا لغيره وَطَلَبه مَالِكه وَلم يضمن مثله أَو قِيمَته أحد من الْوَرَثَة أَو غَيرهم ينبش ويشق جَوْفه وَيخرج مِنْهُ وَيرد لصَاحبه
الْخَامِس إِذا دفن لغير الْقبْلَة يجب نبشه وَيُوجه للْقبْلَة مَا لم يتَغَيَّر أما بعد البلى فَإِن مَضَت مُدَّة قَالَ فِيهَا أهل الْخِبْرَة بِتِلْكَ الأَرْض إِن الْمَيِّت لم يبْق لَهُ أثر فَيجوز نبش الْقَبْر وَدفن غَيره فِيهِ وَمن ذَلِك يعلم حُرْمَة اتِّخَاذ الفساقي الْمَعْرُوفَة لوَجْهَيْنِ الْبناء فِي الأَرْض المسبلة والتحجير على الْبقْعَة
(و) ينبش الْقَبْر أَيْضا فِيمَا لَو دفنت امْرَأَة حَامِل بجنين ترجى حَيَاته بِأَن يكون لَهُ سِتَّة أشهر فَأكْثر فَيشق جوفها والشق فِي الْقَبْر أولى لِأَنَّهُ أستر
نعم لَا يجوز تَأْخِيره إِلَيْهِ إِلَّا إِن غلب على الظَّن بقول الخبراء بسلامة الْجَنِين لَو أخر إِلَيْهِ فَإِن لم ترج حَيَاته حرم الشق لَكِن (لَا تدفن امْرَأَة فِي بَطنهَا جَنِين حَتَّى يتَحَقَّق مَوته) وَلَو تَغَيَّرت لِئَلَّا يدْفن الْحمل حَيا وَقَول التَّنْبِيه ترك عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى يَمُوت ضَعِيف بل غلط فَاحش فليحذر وَمَعَ ذَلِك لَا ضَمَان فِيهِ مُطلقًا بلغ سِتَّة أشهر