أصلا كالجائي من الْبَحْر من جِهَة سواكن فميقاته على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة إِذْ لَا مِيقَات أقل مَسَافَة من هَذَا الْقدر وَتحصل معرفَة ذَلِك بِأَن كَانَ عِنْده من يعرف تِلْكَ الْمسَافَة أَو بِأَن يجْتَهد فِيهَا وَيفهم من ذَلِك أَن جدة إِن كَانَت مسافتها إِلَى مَكَّة لَا تنقص عَن مرحلَتَيْنِ يَكْفِي أَن تكون ميقاتا
للجائي من الْبَحْر من جِهَة الْيمن وَإِلَّا فَلَا بُد أَن يحرم قبل وُصُول جدة بِحَيْثُ تبلغ الْمسَافَة إِلَى مَكَّة مرحلَتَيْنِ وَذَلِكَ أَن جِهَة جدة من مَكَّة غربي وجهة يَلَمْلَم مِنْهَا جنوبي شَرْقي فَصَارَت أَمَام الجائي بِخِلَافِهِ الْمَار على ذِي الحليفة فَلَا يجوز أَن يُؤَخر إِحْرَامه إِلَى الْجحْفَة لِأَن جهتهما من مَكَّة متحدة
الْحَال الثَّالِثَة أَن يكون مَسْكَنه بَين مَكَّة والميقات فميقاته مَسْكَنه فَإِن كَانَ سَاكِنا فِي قَرْيَة أَو خيام أَو وَاد فميقاته ذَلِك وَلَو ترك منزله وَقصد الْمِيقَات وَرَاءه وَأحرم مِنْهُ جَازَ وَلَا دم عَلَيْهِ كالمكي إِذا خرج إِلَى الْمِيقَات وَأحرم مِنْهُ فَلَو جَاوز مَسْكَنه إِلَى جِهَة مَكَّة فكمجاوزة الْمِيقَات الشَّرْعِيّ وَمثل من ذكر الآفاقي الَّذِي جَاوز الْمِيقَات غير مُرِيد للنسك ثمَّ أَرَادَهُ فميقاته مَحَله وَلَا يُكَلف الْعود إِلَى الْمِيقَات
(و) ثَانِيهَا (مبيت بِمُزْدَلِفَة) وَالْوَاجِب فِيهِ لَحْظَة من النّصْف الثَّانِي من اللَّيْل فَإِن دفع مِنْهَا قبل النّصْف الثَّانِي لزمَه الْعود فَإِن لم يعد حَتَّى طلع الْفجْر لزمَه دم
وَيسن أَن يَأْخُذ مِنْهَا حَصى رمي يَوْم النَّحْر وَهُوَ سبع حَصَيَات
وَأما حَصى رمي أَيَّام التَّشْرِيق فَيَأْخذهُ من بطن محسر أَو من منى فَتحصل السّنة بِالْأَخْذِ من كل مِنْهُمَا وَيكرهُ أَخذ الْحَصَى من المرمى لما قيل إِن المقبول يرفع والمردود يتْرك وَلَوْلَا ذَلِك لسد مَا بَين الجبلين
(و) ثَالِثهَا مبيت (بمنى) ليَالِي أَيَّام التَّشْرِيق الثَّلَاثَة وَالْوَاجِب فِيهِ مُعظم اللَّيْل وَهَذَا يتَحَقَّق بِمَا زَاد على النّصْف وَلَو بلحظة وَيحْتَمل أَن المُرَاد مَا يُسمى مُعظما فِي الْعرف فَلَا يَكْفِي ذَلِك وَمحل وجوب مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة إِن لم ينفر النَّفر الأول وَإِلَّا سقط عَنهُ مبيت اللَّيْلَة الثَّالِثَة كَمَا سقط عَنهُ رمي يَوْمهَا
وَاعْلَم أَنه قد اخْتصّت منى بِخمْس فَضَائِل رفع مَا يقبل من الْأَحْجَار وكف الحدأة عَن اللَّحْم المنثور والذباب عَن الحلو وَقلة البعوض فِيهَا واتساعها للْحَاج كاتساع الْفرج للْوَلَد
(و) رَابِعهَا (طواف الْوَدَاع) وَإِنَّمَا يجب ذَلِك على مُرِيد السّفر من مَكَّة إِلَى مَسَافَة الْقصر مكيا كَانَ أَو غَيره وعَلى مُرِيد الْخُرُوج لمنزله أَو لمحل يُقيم بِهِ وَيلْزم الْأَجِير فعله ويحط عِنْد تَركه من الْأُجْرَة مَا يُقَابله لِأَنَّهُ وَجب بِمُجَرَّد إِحْرَامه وَلِأَنَّهُ وَإِن لم يكن من الْمَنَاسِك هُوَ من توابعها الْمَقْصُودَة وَمن ثمَّ لم ينْدَرج فِي غَيره كَذَا قَالَ ابْن حجر وعَلى هَذَا القَوْل يجب على الْوَلِيّ أَن يطوف بِالْوَلَدِ الصَّغِير إِن خرج الْوَلِيّ بالصغير عقب النّسك وَإِلَّا فَلَا يجب
أما على القَوْل بِأَنَّهُ من الْمَنَاسِك فَيلْزم الْوَلِيّ أَن يطوف بالصغير مُطلقًا إِذا أحرم بِهِ وَلَا يلْزم على الْوَلِيّ ذَلِك مُطلقًا على القَوْل بِأَنَّهُ وَاجِب مُسْتَقل لَيْسَ من وَاجِبَات الْحَج وعد بَعضهم من وَاجِبَات الْحَج بدل هَذَا اجْتِنَاب مُحرمَات الْإِحْرَام