ومنحتكه وأكرمتك بِهَذَا وعظمتك ونحلتك وَكَذَا أطعمتك وَلَو فِي غير طَعَام
(وَقبُول) مُتَّصِل بِالْإِيجَابِ مُوَافق لَهُ (كقبلت) ورضيت واتهبت لفظا فِي حق النَّاطِق وَإِشَارَة فِي حق الْأَخْرَس لِأَنَّهَا تمْلِيك فِي الْحَيَاة كَالْبيع وَلِهَذَا انْعَقَدت الْهِبَة بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّة كَقَوْلِه لَك كَذَا وكسوتك هَذَا وبالمعاطاة على القَوْل بهَا وَيشْتَرط فِي الصِّيغَة مَا مر فِي البيع وَمِنْه اعْتِبَار الْفَوْرِيَّة وَلَا يضر الْفَصْل إِلَّا بأجنبي وَعلم من اعْتِبَار الصِّيغَة أَن الْأَب أَو الْأُم لَو جهزا بنتهما أَو ابنهما الصَّغِير بجهاز وَلم يصدر مِنْهُمَا صِيغَة تمْلِيك لَا يملكهُ وَيَكْفِي فِي الصِّيغَة قَول أَحدهمَا عِنْد نَقله لدار الزَّوْج مثلا هَذَا جهاز بِنْتي فَيكون ملكا لَهَا وَإِلَّا فَهُوَ عَارِية وَيصدق بِيَمِينِهِ فِي عدم تمليكها ذَلِك إِن ادَّعَتْهُ وَخرج بِالْهبةِ الصَّدَقَة والهدية فَلَا يعْتَبر لَهما صِيغَة بل يَكْفِي فيهمَا بِعْت وقبضت وَلذَا يصحان من الْأَعْمَى وَعَلِيهِ فيوكل فِي الْقَبْض والإقباض وَقد لَا تشْتَرط صِيغَة كخلع الْمُلُوك لاعتياد عدم اللَّفْظ فيهمَا وَلَا قبُول كَهِبَة النّوبَة للضرة وَيشْتَرط كَون الصِّيغَة (بِلَا تَعْلِيق) فَلَا تصح الْهِبَة بأنواعها مَعَ شَرط مُفسد كتوقيت الْوَاهِب بعمر نَفسه أَو أَجْنَبِي كَأَن قَالَ جعلت هَذَا لَك عمري أَو عمر فلَان لِلْخُرُوجِ من اللَّفْظ الْمُعْتَاد وَلما فِيهِ من تأقيت الْملك فَإِن الْوَاهِب أَو الفلان قد يَمُوت أَولا بِخِلَاف الْعَكْس فَيصح كَأَن يَقُول أعمرتك هَذَا حياتك أَو مَا عِشْت فَإِن الْإِنْسَان لَا يملك إِلَّا مُدَّة حَيَاته فَكَانَ كلا تأقيت لِأَنَّهُ تَصْرِيح بِمُقْتَضى الْحَال
وَمن جملَة صِيغ الْهِبَة مسَائِل الْعمريّ والرقبي وَلَو بِغَيْر لَفْظهمَا كَقَوْلِه أعمرتك هَذِه الدَّار أَو هَذَا الْحَيَوَان مثلا فَإِذا مت فَهِيَ لورثتك فَهَذِهِ الصِّيغَة صِيغَة هبة طول فِيهَا الْعبارَة فَيعْتَبر فِيهَا الْقبُول وَتلْزم بِالْقَبْضِ وَتَكون لوَرثَته وَكَقَوْلِه أعمرتك هَذِه أَو جَعلتهَا لَك عمرك أَو وَهبتك هَذِه عمرك فَإِذا مت عَادَتْ إِلَيّ أَو إِلَى ورثتي إِن كنت مت فَهَذِهِ الصِّيغَة صِيغَة هبة إِلْغَاء للشّرط الْفَاسِد وَقَوله أرقبتك هَذِه أَو جَعلتهَا لَك رقبي أَي إِن مت قبلي عَادَتْ إِلَيّ وَإِن مت قبلك اسْتَقَرَّتْ لَك فَتَصِح الْهِبَة على الْأَصَح وَيَلْغُو الشَّرْط الْفَاسِد فَيشْتَرط قبُولهَا وَالْقَبْض وَذَلِكَ لخَبر أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ لَا تعمروا وَلَا ترقبوا فَمن أرقب شَيْئا أَو أعْمرهُ فَهُوَ لوَرثَته أَي لَا ترقبوا وَلَا تعمروا طَمَعا فِي أَن يعود إِلَيْكُم فَإِن سَبيله الْمِيرَاث
(وَتلْزم) أَي الْهِبَة (بِقَبض) بِإِذن الْوَاهِب أَو وَكيله فِيهِ بعد تَمام الصِّيغَة فَلَو قَالَ وَهبتك هَذَا أَو أَذِنت لَك فِي قَبضه فَقَالَ قبلت لم يكف وَلَو اخْتلفَا فِي الْإِذْن فِي الْقَبْض صدق الْوَاهِب وَلَو اتفقَا عَلَيْهِ لَكِن قَالَ الْوَاهِب رجعت قبل أَن تقبض الْمَوْهُوب وَقَالَ الْمُتَّهب بل بعده صدق الْمُتَّهب وَلَا تملك الْهِبَة بِجَمِيعِ أَنْوَاعهَا إِلَّا بِالْقَبْضِ الْحَقِيقِيّ وَلَا يشْتَرط فِيهِ الْفَوْر وَإِن كَانَ الْمَوْهُوب بيد الْمُتَّهب وَلَو من أَب لوَلَده الصَّغِير وَلَا يَكْفِي الْإِتْلَاف وَلَا الْوَضع بَين يَدَيْهِ من غير إِذن لِأَن قَبضه غير مُسْتَحقّ كَالْوَدِيعَةِ فَاشْترط تحقق الْقَبْض
نعم إِن كَانَ الْإِتْلَاف بِالْأَكْلِ أَو الْعتْق وَأذن فِيهِ الْوَاهِب كَانَ قبضا وَيقدر انْتِقَاله قبيل الْوَضع فِي الْفَم والتلفظ بالصيغة لِلْعِتْقِ
وَذَلِكَ لما روى الْحَاكِم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهْدى إِلَى النَّجَاشِيّ ثمَّ قَالَ لأم سَلمَة إِنِّي لأرى النَّجَاشِيّ قد مَاتَ وَلَا أرى الْهَدِيَّة الَّتِي أهديت إِلَيْهِ إِلَّا سترد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute