لَا ينْقض بِاجْتِهَاد آخر حَتَّى لَو صلى أَربع رَكْعَات لأَرْبَع جِهَات بِأَرْبَع اجتهادات صَحَّ
فَإِن كَانَ الِاجْتِهَاد الثَّانِي مُسَاوِيا للِاجْتِهَاد الأول تخير بَينهمَا إِن لم يكن فِي صَلَاة فَإِن كَانَ فِيهَا تعين عَلَيْهِ الْعَمَل بِالِاجْتِهَادِ الأول وَلَا يجوز لَهُ الْعَمَل بِالِاجْتِهَادِ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْتزم بِدُخُولِهِ فِي الصَّلَاة جِهَة فَلَا يتَحَوَّل عَنْهَا إِلَّا إِلَى أرجح مِنْهَا وَمَتى ثَبت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطلع على محراب وَأقرهُ كَانَ فِي مرتبَة الْعلم بِالنَّفسِ فَلَا تجوز مُخَالفَته وَلَا الِاجْتِهَاد فِيهِ لَا جِهَة وَلَا يمنة وَلَا يسرة
وَأما محاريب الْمُسلمين الموثوق بهَا فَهِيَ فِي مرتبَة إِخْبَار الثِّقَة عَن علم وَلَا يجوز الِاجْتِهَاد فِيهَا جِهَة لِاسْتِحَالَة الْخَطَأ فِي الْجِهَة
وَيجوز الِاجْتِهَاد فِيهَا يمنة أَو يسرة
والمحراب اصْطِلَاحا مقَام الإِمَام فِي الصَّلَاة وَأما الْمِحْرَاب الْمُعْتَاد الْآن وَهُوَ التجويف الَّذِي يكون فِي الْأَمْكِنَة الَّتِي بنيت للصَّلَاة فِيهَا فِي جِهَة الْقبْلَة فَلم يكن مَوْجُودا فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا فِي زمن أَصْحَابه بل هُوَ حَادث بعدهمْ وَلَكِن لَا بَأْس بِهِ وَالْأَعْمَى وَمن فِي ظلمَة يعْتَمد الْمِحْرَاب بالمس أَو نَحوه كَمَا يعتمده الْبَصِير الَّذِي لَيْسَ فِي ظلمَة بِالْمُشَاهَدَةِ
وَمَتى انْفَرد إِنْسَان فِي نَاحيَة وَجب عَلَيْهِ تعلم أَدِلَّة الْقبْلَة على سَبِيل فرض الْعين وَإِذا وجد غَيره مَعَه كَانَ التَّعَلُّم فرض كِفَايَة وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين السّفر والحضر
وأدلتها كَثِيرَة مِنْهَا مَا هُوَ ليلِي كَالْقَمَرِ وَمِنْهَا مَا هُوَ نهاري كَالشَّمْسِ وَمِنْهَا مَا هُوَ أرضي كالجبال وَمِنْهَا مَا هُوَ هوائي كالرياح وَمِنْهَا مَا هُوَ سماوي كَالنُّجُومِ
وَمن جملَة النُّجُوم القطب الْمَعْرُوف وَهُوَ بَين الفرقدين وَبَنَات نعش الصُّغْرَى لَكِن مَتى عرفه يَقِينا وَعرف كَيْفيَّة الِاسْتِقْبَال بِهِ فِي الْقطر الَّذِي هُوَ فِيهِ كَانَ فِي مرتبَة الْعلم بِالنَّفسِ وَإِلَّا كَانَ من أَدِلَّة الِاجْتِهَاد كباقي النُّجُوم (إِلَّا فِي شدَّة خوف) فِي قتال جَائِز فَيصَلي كَيفَ أمكنه
نعم إِن أَمن فِي أثْنَاء الصَّلَاة امْتنع عَلَيْهِ ترك الِاسْتِقْبَال حَتَّى لَو كَانَ رَاكِبًا اشْترط أَن لَا يستدبرها فِي حَال نُزُوله فَإِن استدبرها حِينَئِذٍ بطلت صلَاته بِاتِّفَاق وَمثل شدَّة الْخَوْف فِي ذَلِك دفع الصَّائِل والفرار من سبع أَو نَار أَو عَدو أَو سيل أَو نَحْو ذَلِك مِمَّا يُبَاح الْفِرَار مِنْهُ لَكِن إِن أَمن فِي أَثْنَائِهَا وَجب عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَال وَلَا يعود إِلَى مَكَانَهُ الأول بل يُتمهَا فِي الْمَكَان الَّذِي انْتهى سيره إِلَيْهِ
وَمثل ذَلِك من خطف مَتَاعه أَو شَردت دَابَّته وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلهُ السَّعْي خلف ذَلِك لتحصيله وكما يُبَاح لهَؤُلَاء ترك الِاسْتِقْبَال يغْتَفر لَهُم الْأَفْعَال الْكَثِيرَة إِذا اقتصروا على قدر الْحَاجة
(وَنفل سفر مُبَاح) وَلَو راتبة وعيدا وَفِي مَعْنَاهُ سجدتا التِّلَاوَة وَالشُّكْر المفعولتان خَارج الصَّلَاة فَيتَوَجَّه إِلَى جِهَة مقْصده لصيرورتها بَدَلا عَن الْقبْلَة وَيحرم إنحرافه عَنْهَا إِلَّا إِلَى الْقبْلَة وَذَلِكَ مَشْرُوط بِأُمُور تِسْعَة أَحدهَا أَن يكون ذَلِك فِيمَا يُسمى سفرا وَلَو قَصِيرا
ثَانِيهَا أَن يكون السّفر مُبَاحا
ثَالِثهَا أَن يقْصد قطع الْمسَافَة الْمُسَمّى قطعهَا سفرا
رَابِعهَا ترك الْأَفْعَال الْفَاحِشَة كركض وعدو بِلَا حَاجَة
خَامِسهَا دوَام السّفر فَلَو صَار مُقيما فِي أثْنَاء السّفر لزمَه الِاسْتِقْبَال إِن اسْتمرّ فِيهَا وَإِلَّا فَقطع النَّفْل جَائِز
سادسها دوَام السّير فَلَو انْقَطع سيره لم يجز لَهُ ترك الِاسْتِقْبَال حَتَّى لَو وقف لاستراحة أَو لانتظار رفْقَة لزمَه الِاسْتِقْبَال مَا دَامَ وَاقِفًا فَإِن سَار لأجل سير الْقَافِلَة أتمهَا