لما رأيت بني عَديَ مَرّحوا ... وغلت جوانبهم كغلي المرجلِ
قال: مرحوا من المرحى، والمرحى موسى الحرب، لم يعرف أبو عمرو مَرَحوا، انتهى كلامه. الظاهر في معنى الحرب على ما فسره انه مرساها أن يكون " مَفْعَلا " من أفظ الرحى، ومعناها، ألا ترى إلى كثرة ما جاء عنهم من تشبيه موضع الحرب بالرحى، قال عمرو بن كلثوم. " من الوافر ":
قريناكم فجعلنا قراكم ... قُبيل الصبح مرداة طحونا
يكون ثقالها شرقيَّ نجدٍ ... ولهوتها قضاعة اجمعينا
وقال الآخر " من الخفيف ":
ثم الدبرات دارت رحانا ... ورحى الحرب بالكُماة تدور
ومن كلام ابن عباس في صفة أمير المؤمنين عليهما السلام:" فحمل عليهم حملةً أحالهم فيها جولان الرحى بثفالها "، فإذا كان كذلك لم يجز أن يكون " مرحوا " من لفظ الرحى؛ لأنه لو جعلته منه لكان " مَرَّحوا ": مَفَّعوا، وهذا مثال غير موجود في كلامهم. فإذا كان كذلك حملت " مرّحوا " على أنه مرّحوا من المرح، وبناؤه على " فَعّلوا " لكثرة المرح منهم كقولهم: " موّتت الإبل " و " قّوّمت الخيل "، ويدل على أنه من المرح أيضا قوله يليه:" وغلت جوانبهم كغلي المرجل "، فالغليان: النشاط والحركة والاضطراب، وكذلك المرح، وهذا أمر ظاهر، فهذا أذهب عندي في الصواب مما قاله السكري.