وقال: هشام حكاية شخب اللبن، ومنه بيت الراعي " من الطويل ":
إذا ما دَعْت شِيبا بجني عُنيزةٍ ... مشافِرُها في ماءِ مُزْنٍ وباقِلِ
وإنما الشيبُ صوت مشافرها عند الماء، ومنه قولهم في اسم الفرج: الخاقباق، وإنما سمى بصوته. قال " من الرجز ":
قد أقبلت عرةُ من عراقها ... ممدودة الرجل بخاقباقها
ومثله الخازباز، وإنما هو صوت الذباب فسمي به وهذا كله شاهد للكتيت، وقد ذهب بعضهم إلى أن العبارات كلها إنما أوقعت على حكاية الأصوات وقت وقوع الأفعال، ولا ابعد أن يكون الأمر كذلك، ثم إنها تداخلت وضورع ببعضها بعض، ألا ترى إن الخضم لكل رطب والقضم لكل يابس وبين الرطب واليابس ما بين الخاء والقاف من الرخاوة والصلابة، وكذلك قَطْع وقَدْع، فقدع الإنسان قطع له عن فعله إلا أن الطاء أصفى من الدال، والقطع بالسيف. ونحوه: أصفى ضربا، وانصع فعلا من القذع الذي إنما هو كلام، وبين الطاء والدال ما بين الفعل والقول، وهذا باب إنما يصحب وبنجذب لمتأمله إذا تفطن وتأتى له ولاطفه ولم يجف عليه، ومنه قولهم: بحثت التراب ونحوه، وهو على ترتيب الأصوات الحادثة عنده، فالباء للخفقة بما يبحث به عن التراب والحاء فيما بعد كصوت رسوب الحديدة ونحوها إذا ساخت في الأرض والثاء لحكاية صوت ما ينبث من التراب فتأمله، فإن فيه غموضا. فأما قولهم: بحثت عن حقيقة هذا الأمر، وبحثت عن حقيقة هذه المسألة فاستعارة للمبالغة في طلب ذلك المعنى، ولا نترك الحقيقة إلى المجاز إلاّ لضرب من المبالغة، ولولا