بَيته وَمكث كَذَلِك مُدَّة، وَظَهَرت تصانيفه، وفشت تآليفه، وَلَا أحد يعْتَرض عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَو يناقضه حَتَّى انْتَهَت نوبَة الوزارة إِلَى فَخر الْملك بن نظام الْملك رَحمَه الله من تَرْتِيب خُرَاسَان بدولته، وَقد سمع بمَكَان الْغَزالِيّ، وَكَمَال فَضله، ونقاء سَرِيرَته، فحضره متبركا بِهِ، وَسمع كَلَامه، فَسَأَلَهُ أَن لَا يدع أنفاسه عقيمة، لَا يتْرك فَوَائده لَا اقتباس من أنوارها، وألح عَلَيْهِ كل الإلحاح، فَأَجَابَهُ إِلَى الْخُرُوج إِلَى نيسابور، فَقَدمهَا وألي التدريس بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بهَا، فَلم يجد بدا من الإذعان للولاة، فَفعل وَنوى بِهِ الْهِدَايَة والإفادة دون العودة إِلَى مَا انخلع عَنهُ وتحرر من رقّه من طلب الجاه، ومكايدة المعاندين، ثمَّ إِنَّه قصد، وتصدى للوقوع فِيهِ والطعن فِيمَا يَأْتِي ويذر، وَتعرض للسعاية بِهِ والتشنيع عَلَيْهِ فَمَا تأثر بذلك، وَلَا أظهر لَهُم استيحاشا لغميزة المخلطين.
وَقَالَ عبد الغافر أَيْضا: إِنَّه سَأَلَهُ؛ كَيفَ رغب فِي الْخُرُوج من بَيته والمصير إِلَى نيسابور؟ فَاعْتَذر بِأَنَّهُ لم يكن يستجير فِي دينه أَن يتَخَلَّف عَن الدعْوَة، وإفادة الطالبين ونفعهم، وَقد حق عَلَيْهِ أَن يبوح بِالْحَقِّ وَيَدْعُو إِلَيْهِ.
قَالَ: وَكَانَ صَادِقا فِي ذَلِك، ثمَّ ترك ذَلِك قبل أَن يتْرك، وَعَاد إِلَى بَيته، وَاتخذ فِي جواره مدرسة لطلبة الْعلم وخانقاه للصوفية.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute