طَبَقِيَّةٍ أو اجْتِماعِيَّةٍ، وهذا هو «الجوار» الذي كان من الأعراف الجاهلية المصانة، وكان موافقًا لشرع الله تعالى، فأقرَّه الإسلام، وجعله ملزمًا ديانةً.
أما الهجرة إلى الحبشة فهو مثالٌ آخرُ، أكثر أهميةً وأثرًا، وأشبه بنظام «اللجوء السياسي» أو «الإنساني» الذي جَعلت له الدول الكبرى في العصر الحديث قوانين وقواعد ملزمة لجميع الدول، ولا شكَّ أنَّه من محاسن الحضارة الغربيَّة، ومن الرأفة والرحمة التي جعلها الله تعالى في قلوب أهلها، كما قال تعالى:{وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً}[الحديد: ٢٧].
إنَّ إيواء المظلوم، وإغاثة الملهوف، ورحمة الضعيف؛ ممَّا ترشد إليه الفطر السليمة، والنفوس الشريفة، وإن كانت في وثنيَّة العرب، أو نصرانيَّة الحبشة، وقد جاء الدِّينُ الصَّحيح بإتمام هذه المعاني النبيلة، والتأكيد عليها، ونقلها من ممارساتٍ اجتماعيةٍ تُقصَدُ بها الوجاهةُ أو الشهرةُ أو الثناءُ العاجل، إلى عبادةٍ خالصةٍ لله تعالى، يقصد بها وجه الله تعالى والفوز بالجنات الخالدة والسعادة الأبدية.
سياق قصة الهجرة إلى الحبشة:
فلنذكر قصَّة الهجرة إلى الحبشة، ثم نستلخص منها بعض الفوائد والعبر:
قال ابن إسحاق رحمه الله ـ وقد ذكر جانبًا من صدِّ قريشٍ عن دعوة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، واستكبارهم عنها، وعداوتهم لها ـ: «ثم إنَّهم عَدَوْا على من أسلم واتَّبع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه، فوثَبَتْ كلُّ قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونَهم، ويعذِّبونهم بالضَّرب والجوع والعَطَشِ، وبرَمْضَاءِ مكَّةَ إذا اشتدَّ الحرُّ، من استَضْعَفُوا منهم؛ يفتنونهم عن دينهم، فمنهم من يُفتن من شدَّة البلاء الذي يُصيبُه، ومنهم من يَصْلُب لهم، ويَعصِمُه الله منهم ... فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أرض الحبشة، مخافةَ الفتنة، وفرارًا