للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابنُ حزمٍ رحمه الله (١): «وأمَّا مَن فرَّ إلى أرض الحرب لظلمٍ خافَه، ولم يُحارب المسلمين، ولا أعانَهم عليهم، ولم يجدْ في المسلمين مَنْ يُجيرُه؛ فهذا لا شيءَ عليه، لأنَّه مضطرٌّ مُكرَهٌ. وقد ذكرنا أنَّ الزُّهريَّ (٢) ـ مُحمَّدَ بنَ مسلم بنِ شهابٍ ـ؛ كان عازمًا على أنَّه إِنْ ماتَ هشام بن عبد الملك لَحِقَ بأَرض الرُّوم، لأَنَّ الوليدَ بنَ يزيدٍ كان نَذَرَ دمَه؛ إِنْ قدَرَ عليه (٣)، وهو كان الوالي بعد هشامٍ. فمن كان هكذا فهو معذورٌ». (٤)


(١) علي بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبيُّ الظاهريُّ (ت: ٤٥٦/ ١٠٦٣): أشهر علماء الأندلس، شاعر وأديب ومحدث وفقيه وفيلسوف ومؤرخ، تميَّز بمؤلفات مفيدة في مختلف فروع المعرفة من أشهرها: «الفِصَل في المِلَلْ والأهواء والنِّحَل» و «طوق الحمامة» و «جمهرة أنساب العرب» و «المحلَّى بالآثار» و «الإحكام في أصول الأحكام». مترجم في «سير أعلام النبلاء» (١٨/ ١٨٤:٩٩).
(٢) الزُّهريُّ: من أئمة التابعين، فقيه حافظٌ، متَّفَقٌ على جلالته وإتقانه وإمامته في الدين والعلم، مات سنة (١٢٤/ ٧٤٢)، قبل وفاة الخليفة الأمويِّ هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، حيث توفي هذا سنة (١٢٥/ ٧٤٣)، فبويع بالخلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكانَ فاسقًا مجاهرًا بالفواحش، مصرًّا عليها، منتهكًا لمحارم الله تعالى، لا يتحاشى من معصيةٍ، لهذا كان الإمامُ الزهريُّ يتكلَّمُ فيه، ويحثُّ الخليفة هشام بن عبد الملك على خلعه من ولاية العهد، لكنَّه لم يفعل، فتولَّى الخلافة بعدَه، لكن لم تطُل أيَّامه، حيث قُتل بعد سنةٍ.
انظر: «البداية والنهاية» لابن كثير (٩/ ٣٥١ و ١٠/ ٢).
(٣) الخبرُ في «الطبقات الكبرى» لابن سعد (٥/ ٣٥٦)، و «أنساب الأشراف» للبلاذري (٣/ ٢٠٠)، و «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر (٥٥/ ٣٨١)، و «سير أعلام النبلاء» للذهبيِّ (٥/ ٣٤٢).
(٤) «المحلَّى بالآثار» (١/ ٢٠٠) المسألة: (٢١٩٨).

<<  <   >  >>