للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيما بينه وبين رَبِّه، وإِنْ كان لا يُجبره الإمامُ على ذلك، لأنَّه غَدَرَ بأمان نفسه، لا بأمان الإمام. فأمَّا هاهنا هذا المِلْكُ تامٌّ للَّذي أحرزَها، بدليل أنَّه لو أسلم، أو صار ذميًّا؛ كانت سالمةً له، ولا يُفتَى بردِّها. فلهذا حلَّ للمشتري منه وطؤُها، وهذا للفقه الذي قلنا: إنَّ العصمة الثابتة بالإحراز بدار الإسلام تنعدم عند تمام إحراز المشركين إيَّاها، وهذا بخلاف ما إذا كانت مدبَّرةً، أو أُمَّ ولدٍ، أو مكاتبَةً (١). فإنَّها لم تصرْ مملوكةً بالإحراز، فلا يحلُّ للتَّاجر أن يشتريها منهم، ولا أن يطأَها، ألا ترى أنَّهم لو أسلموا، أو صاروا ذمةً؛ وجب عليهم ردُّها على المالك القديم، فتكون على مِلْكِه كما كانت». (٢)

وقال العلامة النَّوويُّ رحمه الله (٣): «دخلَ مسلمٌ دارَ الحرب بأمانٍ،


(١) المدبَّر: هو أن يعتق السيِّدُ عبدَه أو أمته عن دُبُرٍ، وهو ما بعد الموت. فهو عتقٌ معلَّق بشرط وهو موت المعتِقِ.
وأمُّ الولد: هي الأمة التي ولدت من سيدها في ملكه، فلا يجوز لسيدها بيعها ولا هبتها، بل تبقى في ملكه، فإن مات فهي حُرَّةٌ.
والمكاتبَة: معاقدة بين العبد وسيِّده، يكاتبُ السيِّدُ عبده أو أمتَه على مال مقسَّط، فإذا أدَّى إليه العبدُ تلك الأقساط صار معتقًا حرًّا.
انظر: «الموسوعة الفقهية» (١١/ ١٢٤) (مادة: تدبير)، و (٤/ ١٦٤) (مادة: استيلاد)، و (٣٨/ ٣٦٠) (مادة: مكاتبة).
(٢) «المبسوط» (١٠/ ٦١). وبعض ما تضمَّنه كلام السرخسي هذا من أحكام جزئية هي موضع خلاف بين الفقهاء، والتطرق إليها بالشرح والمقارنة خارج عن موضوع بحثنا، وغرضنا منه هو الاستشهاد لمسألة ردِّ المال الذي أخذه المسلم المستأمَنُ بغير حقٍّ، وهذا موضع اتِّفاق بين الفقهاء، ولله الحمد.
(٣) محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النوويُّ الشافعيُّ (ت: ٦٧٦/ ١٢٧٨): كان علامةً فقيهًا بارعًا حافظًا أمَّارًا بالمعروف وناهيًا عن المنكر، تاركًا للملَّذات، أتقن علومًا شتى، وألَّف كتبًا مجوَّدة فاشتهرت وانتشرت، منها: «شرح صحيح مسلم»، و «الأذكار»، و «رياض الصالحين»، و «المجموع شرح المهذَّب». مترجم في «تاريخ الإسلام» للذَّهبيِّ (١٥/ ٣٢٤:٣٤٠).

<<  <   >  >>