للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أن المقهورين من الجناة لم يتم منعهم إلا بالحديد من القيود والسلاسل والأغلال والتقربن في الأصفاد حتى يسمي له السجان حدادا بسبب مزاولة هذه الآلات في المسلمين اليه ليحدهم ويمنعهم بها - قال كاشم -

هذا الحديد سلاح أصحاب الوغى ... وبه يريق دماءنا الحجام

والحديد معدنه ينقسم إلي صنفين أحدهما لين يسمي النرماهن ويلقب بالأنوثة والآخر صلب يسمي الشابرقان ويلقب بالذكورة لصرامته وهو يقبل السقي مع تأبيه لقليل انثناء ثم ينقسم النرماهن مثله إلى ضربين أحدهما هو والآخر ماؤه السائل منه وقت الإذابة والتخليص من الحجارة ويسمي دوصا وبالفارسية أسته وبنواحي زابلستان رو لسرعة خروجه وسبقه الحديد في الجريان وهو صلب ابيض يضرب إلي الفضية - ومن الشابرقان سيوف الروم والروس والصقالبة وربما قيل له قلع بنصب اللام ويجزمها فيقول - تسمع للقلع طنينا ولغيره بحجا ونسب اليه نوع من السيوف فسميت قلعية وظنها قوم منسوبة إلي موضع كالهندية واليمانية والمشرفية فقالوا - انها تحمل من كله كما يحمل منها الرصاص وينسب اليها القلعي وهي سيوف عراض ولا تبعد أن تشبه لبياضها في اشعار العرب علي اضطرابها فيه - قال (الحصين بن الحمام المري) -

تراوح بالصخر الأصم رؤسهم ... إذا القلع الرومي تثلّما

فقد أشار اللي الشابرقان اذ ليس للروم سوف من غيرها - قال العجاج -

قد أحدثت رومية القيون ... أبيض من ماء الحديد الجون

وقال -

أني إذا الموت كع ... أضربهم بذي القلع

أي الحديد المتخذ منه السوف القلعية واخرجه مخرج صفة السوف كذي الفقار وذي الشطب - وقال ابن الرومي -

يكشِفّ الدهر منه في تصرفه ... عن منصل قلعي مّن مناصله

ثم كيف يميز القلع المذكور من مقلوبه - فقد قال الشاعر -

واجتلبوا عرق دم القلع

وأراد العلق فقلبه للقافية فيما قبله - والقلع ايضا الشراع قال سويد بن أبي كاهل

ذو عباب زبد آذيه ... خمط التيار يرمي بالقلع

وقال الأعشي -

يكب الخلية ذات القلاع ... وقد كاد جؤجؤها ينحطم

كما أن الجواري المنشآت في البحر شبهت لشراعها بالأعلام كذلك اشترك السفن وأعلام الجبال في اسم القلع - قال الراعي -

فظل بالحزم لا يصري أرانبه ... من حد أظفاره الجحران والقلع

أي صار هذا الصقر فيما غلظ من الأرض وارتفع لا تمنع الأحجرة ورؤوس الجبال الأرانب من أظفاره - قال أبو النجم يهشم صم القلع الصرار - وقال وضاح اليمن -

لا يحمل العبد فيما فوق طاقته ... ونحن نحمل مالا تحمل القلع

والقلع فلا الأصل السحاب - قال ابن الأحمر -

وتكسر فوقه القلع السواري ... وجنَّ الخاز باز به جنونا

وقال زيد الخيل -

خلّتْ وترجَّز القلع الغواري ... عليها فالأنيس بها قليل

والقلع السحاب والسحاب يشبه بالجبال والحديد يستنبط منها وباشتراك الاسم نقل الحديد إلي السما - وقال الهذلي -

يكفيك من قلع السماء مهند ... فوق الذراع ودون بوع البائع

صافي الحديدة قد اضر بجسمه ... طول الدياس وبطن طير جائع

والبيت الأول لا يمتنع به خلق الحديد ومعني الأنزال المذكور مصرحا فيه بالسماء ولم يرد بالمهند نسبته إلي الهند لكنه جعل ذلك اسما للسيف صفة لازمة له ثم في البيت الثاني أفصح بما قالوا أن نار الصاعقة تخرق الأرض وتسوخ فيها فيحفر في أثرها ويخرج منها حديدة تتخذ منها السوف القلعية - ومعني بطن طير ان تلك الحديدة تقطع وتحمي حتى تصير كالجمرة وتلقي للنعامة ليذهب عنها الخبث في بطنها وتذرقها صافية صالحة يطبع منها السيوف حينئذ ثم تدارس بالمدارس وتجلي بالصقل - وذكر من شاهد ابتلاع النعام الحديد المحمي انه لايمكث في بطونها وإنما تذورقه كما هو لوقته - وسمعت في الشابرقان من عدة حكوه - ان الروس والصقالبة يقطعونه قطاعا صغارا ويعجنونها في الدقيق ويطعمونها البطوط ثم يغسلونها كم ذرقها زيعيدون هذا الفعل عليها مرات ثم يحملونها بعد التغريق في النار ويطبعون منها سيوفهم - قال ابن بابك -

ينقدّ منها ظلام النقع مرتمضا ... كالبرق ينشق عنه كلة القلع

<<  <   >  >>