للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هي قائمة عنده. وهذا أعلى ما يتصوره المخلوق من الفرح والسرور، وهذا كله مع غناه عن طاعات عباده، وتوبتهم إليه، وأنه إنما يعود نفعها إليها دونه، ولكن هذا من كمال جوده، وإحسانه إلى عباده، ومحبته لنفعهم، ورفع الضر عنهم، فهو يحب من عباده أن يعرفوه، ويحبوه، ويخافوه، ويتقوه، ويطيعوه، ويتقربوا إليه، ويحب أن يعلموا أنه لا يغفر الذنوب أحد غيره، وأنه قادر على مغفرة ذنوب عباده، كما في رواية عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر لهذا الحديث: "من علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة ثم استغفرني؛ غفرت له، ولا أبالي" ١. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "واللهِ لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها" ٢.

وقوله: "يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم ... إلخ" بعد ما ذكر الله تعالى أنه جل ذكره لا ينتفع من عباده بطاعتهم إياه، ولا يحصل له ضرر بسبب عصيانهم إياه، بل الانتفاع والضرر عائدان عليهم، ومجازون بذلك، عقب ذلك بأن ملكه جل ثناؤه لا يزيد بطاعة الخلق، ولو كانوا كلهم بررة، أتقياء، قلوبهم على قلب أتقى رجل منهم، كذلك لا ينقص ملكه بمعصية العاصين، ولو كان جميع الإنس والجن عصاة، فجرة، قلوبهم على قلب أفجر رجل منهم، فإنه سبحانه الغني بذاته عمن سواه، وله الكمال المطلق في ذاته، وصفاته، وأفعاله، فملكه ملك كامل لا نقص فيه بوجه من الوجوه على أي وجه كان، وفيه دليل على أن الأصل في التقوى والفجور هي القلوب، فإذا بر القلب، واتقى؛ برت الجوارح، وإذا فجر القلب؛ فجرت الجوارح. أفاده الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم بنوع تصرف.

وقوله: "ولو أن أولكم، وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني ... إلخ" الصعيد: وجه الأرض، وظاهرها؛ أي: في مقام واحد. وقوله: فسألوني؛ أي: في تلك الحالة بألسنة مختلفة حوائج مؤتلفة. قال السعد: وقيد السؤال بالاجتماع في صعيد واحد؛ لأن تزاحم الأسئلة، وترادف الناس في السؤال مع كثرتهم، وكثرة مطالبهم؛ بما يضجر المسؤول منه، ويدهشه، وذلك يوجب حرمانهم، وتخييبهم؛ أي: تعسر إنجاح مطالبهم، وإسعاف مآرابهم. وليس كذلك في حقه


١ رواه أحمد في المسند"٥/ ١٥٤"والترمذي رقم"٢٤٩٧"في صفة القيامة من حديث أبي ذر رضي الله عنه نقول في إسناده ضعف وأكثره في صحيح مسلم رقم"٢٥٧٧"
٢ رواه البخاري رقم"٥٩٩٩"ومسلم رقم"٢٧٥٤"في الفضائل من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

<<  <   >  >>