للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. وقال الحسن البصري التابعي الجليل: المتقون اتقوا ما حرَّم الله عليهم، وأدوا ما افترض الله عليهم، وقال طلق بن حبيب١: التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله.

وقال عمر بن عبد العزيز: ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك خيرًا، فهو خير إلى خير. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: تمام التقوى أن يتَّقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حرامًا ما يكون حجابًا بينه وبني الحراك، فإن الله قد بين للعباد الذي يصيرهم إليه، فقال: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:٧-٨] فلا تحقرنَّ شيئًا من الخير أن تفعله، ولا شيئًا من الشر أن تنقيه، وقال موسى بن أعين:٢ المتقون تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في الحرام، فسماهم الله متقين، وقال الثوري٣ رحمه الله: إنما سُموا متقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى، فهو سبحانه أهل أن يُتقى، ويُخشى، ويُهاب، ويُجل، ويُعظم في صدور عباده حتى يعبدوه، ويطيعوه لما يستحقه من الإجلال، والإكرام، وصفات الكبرياء، والعظمة، وقوة البطش، وشدذَّة البأس. اللهم إني أسألك أن توفقنا للتقوى، وتحيل بيننا وبين معاصيك، يا أرحم الراحمين!


١ طلق بن حبيب: المصري زاهد كبير. من العلماء العاملين، حدَّث عن ابن عباس وابن الزبير، وجندب بن سفيان. روى عن منصور، والأعمش، وجماعة. كان طيب الصوت بالقرآن، برًا بوالديه، قال أبو زرعة: طلق سمع من ابن عباس رضي الله عنهما. وهو ثقة مرجئ. مات قبل المئة.
٢ موسى بن أعين: هو الإمام الحجة أبو سعيد الحراني. روي عن عطاء بن السائب. وليث وعبد الكريم الجزري: ومعمر، وخلق، وعن يحيى بن يحيى، وثقه أبو حاتم وغيره، توفي سنة "١٧٧"هـ.
٣ سفيان الثوري- هو سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة. هو شيخ الإسلام، الإمام الحافظ. سيد العلماء العاملين في زمانه، مصنف كتاب "الجامع" قال ابن معين وابن عيينة، ويحيى بن معين: سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث. وقد ساد الناس بالعلم والورع توفي رحمه الله في شعبان سنة "١٦١"هـ.

<<  <   >  >>