ش- الصبُّ: السكب، وصب الماء: إراقته من أعلى، والبلاء، والابتلاء، تقدم تفسيرهما، فارجع إليه. والمراد بالصب هنا: العرض، والإلقاء؛ أي: اعرضوا، وألقوا ياملائكتي على عبدي فلان البلاء ليُختبر، ويُمتحن؛ ليظهر خيره، أو شره لغيره، وقد سمي الله تعالى التكاليف الشرعية بلاءً؛ لأن التكاليف كلها مشاق على الأبدان، فصارت من هذا الوجه بلاء، ولأنها اختبارات، قال الله عز وجل:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ}[محمد:٣١] والقرآن والسنة مملوءان بذلك، واختبار الله تعالى للعباد تارةً يكون بالمسارِّ ليشكروا، وتارة بالمضارِّ ليصبروا، فصارت المحنة والمنحة -جميعا- بلاءً، فالمنحة مقتضية للشكر، والمحنة مقتضية للصبر، قال عمر بن الخطاب: بُلينا بالضراء فصبرنا، وبلينا بالسَّراء فلم نصبر. قال الراغب الأصفهاني: إذا قيل: ابتلي فلان كذا، وأبلاه، فذلك يتضمن أمرين، أحدهما: تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من أمره، والثاني: ظهور جودته ورداءته، وربما قصد به الأمران، وربما يقصد به أحدهما، فإذا قيل في الله تعالى: بلى كذا. أو أبلاه؛ فليس المراد منه إلا ظهور جودته، ورداءته دون التعرف لحاله، والوقوف على ما يجهل من أمره؛ إذ كان الله علام الغيوب، وعلى هذا قوله عز وجل:{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ}[البقرة:١٢٤] ولا شك أن إضافة العبد إليه عز وجل هنا لتعظيمه وتشريفه؛ إذ بيَّن أن العبد المصبوب عليه البلاء حمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، فكان قابلاً للبلاء، متعرضًا له بدون أن يظهر إساءته، أو كراهيته له، بل يتسع صدره له، وهو حامد شاكر، مظهرالثناء على الله، والرضا به، ومعافاة غيره عن الابتلاء بمثل ذلك ممن ليس كذلك، فعلى المؤمن العاقل أن يتلقى البلاء، والمصائب بكل حواسه بصدررحب، وقلب مطمئن بالإيمان، ومفعمٍ بالرضا، والصبر، والاحتساب، فيزول ذلك عنه قريبًا بدون أن يمسَّه أذى. فنسأل الله أن يوفقنا للصبر عند الصدمة الأولى، ويختم لنا بالسعادة الأبدية! وقد جاء في الصبر على الابتلاء آيات كثيرة، وإنَّ لمن صبر ثوابًا عظيمًا لا يقدر قدره، وكذلك الأحاديث الصحيحة جاءت في الحث على الصبر إذا ابتلي، وأن له ثوابًا عظيمًا. والله أعلم.