والمتحابون: تقدَّم الكلام عليه، والمتواصلون: جمع متواصل، وهو من كان بينك وبينه مواصلة، ووصلة، والوصل: ضد الهجران، يقال: وصلت الشيء بغيره، وصلاً، فاتصل به، ووصلته، وصلًا، وصلة: ضد هجرته. والمتناصحون: جمع متناصح، يقال: انتصح فلان: قَبِل النصيحة، وانتصحني فإني لك ناصح، وتنصح تشبه بالتنصح واستنصحه: عدَّه نصيحًا. والنصيحة: كلمة يُعبر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها، وأصل النصح في اللغة: الخلوص، يقال: نصحته، ونصحت له. والمتزاورون: جمع متزاور. وتزوار القوم: زار بعضهم بعضًا. واستزاره: سأله أن يزوره. والمتباذلون: جمع متباذل، بذل الشيء: أعطاه، وجاد به عن طيب نفس، أي: الذين يجود أحدهم بمال، أو غيره لأخيه في الله، والآخر كذلك. وقوله:"يغبطهم" تقدم الكلام عليه. وقوله:"النبيون، والصديقون، والشهداء" قد ذكر قريباً، فارجع إليه، فلا حاجة إلى الإعادة، وتراجم رواة الحديث تقدم الكلام عليها كل راو في محله. والله أعلم.
والمعنى: أن الله تبارك اسمه، وتعاظمت صفاته أخبرنا: أن محبته قد وجبت لأنواع خمسة؛ الأول: المتحابون في الله عز وجل، يعني: أن أحدهم أحب الآخر لوجه الله جلَّ، وعلا، لا لعلة دنيوية، ولا منفعة عظيمة أخروية، والمحبة تنقسم بحسب ثمرتها وآثارها إلى قسمين: مشتركة، وخاصة.
فالمشتركة ثلاثة أنواع؛ أحدهما: محبة طبيعية مشتركة، كمحبة الجائع للطعام، والظمآن للماء، وغير ذلك. وهذه لا تستلزم التعظيم. والنوع الثاني: محبة رحمة وإشفاق، كمحبة الوالد لولده الطفل، ونحوها، وهذه أيضًا لا تستلزم التعظيم. والنوع الثالث: محبة أُنْسٍ، وإلفٍ، وهي محبة المشتركين في صناعة، أو علم، أو مرافقة، أو تجارة، أو سفر بعضهم بعضًا، وكمحبة الإخوة بعضهم بعضًا، فهذه الأنواع الثلاثة هي المحبة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض، ووجودها فيهم لا يكون شركًا في محبة الله سبحانه وتعالى، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء، والعسل، وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد، وكان أحب اللحم إليه الذراع. وكان يحب نساءه، وكان يحب أصحابه، وأحبهم إليه الصديق.
وأما المحبة الخاصة:التي لا تصلح إلا لله وحده، ومتى أحب العبد بها غيره كان شركًا لا يغفره الله: فهي محبة العبودية المستلزمة للذل، والخضوع، والتعظيم، وكمال الطاعة، وإيثاره على غيره، فهذه المحبة لا يجوز تعلقها بغير الله أصلًا، وهي التي سوَّى المشركون بين آلهتهم وبين الله فيها، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ