الهند وغيرهم، وتبعهم على ذلك النَّصارى على خلاف أصل دين موسى، وعيسى، ومن قبلهما من النبيين عليهم الصلاة والتسليم، وأنه الصمد القادر على قضاء كل ما يحتاج إليه عباده من الحاجات. وكفايتهم جميع ما يعجزون عنه من المهمات بما يسخره لهم من الأسباب، وما يهديهم من سننه فيها.
قال صديقنا المرحوم الأستاذ السيد رشيد رضا صاحب مجلة المنار: فلو كان مبتدعة عبادة القبور وأسرى الخرافات يفقهون معنى هذه الكلمة، ويؤمنون بها إيمانًا إذعانياً صحيحاً يملك قلوبهم لما صمد أحد منهم إلى قبر أحد من الصالحين، ولا إلى رجل حيٍّ من المعتقدين، ولا إلى دجال يدعي استخدام الجان، وتسخير الشياطين؛ليقضي له ما عجز عنه من منافعه ومصالحه، أو من دفع الأذى عن نفسه، وأهله، وولده؛ فإن هؤلاء الأحياء الدجالين كالموتى من الصالحين عاجزون كلهم عما يظنه الجاهلون فيهم من التصرف في عالم الغيب والشهادة، وقيد يغترون ببعض ما يجهلون حقيقته من شعوذة، وحِيل، أو مصادفات يوجد أمثالها عند أمثالهم من جميع أهل الملل، ولكن هذا الغرور لا سلطان له على الموحدين المؤمنين بوحدانية الله تعالى.
وقوله:"لم ألد ولم أولد" أي: لم يصدر عنه ولد، ولم يصدرهو جل وعلا من شيء؛ لاستحالة نسبة العدم إليه سابقًا ولاحقًا. والوالدية والمولودية متلازمان؛ إذ المعهود أن ما يلد يولد، ومالا، فلا. والاعتراف بهذا هو الاعتراف بذاك؛ لأنه ليس بمخلوق له مزاج وجنس نشأ عن غيره، ونشأت غيره عنه، فتكون الربوبية، والألوهية أسرة، وعشيرة كسائر الأحياء الحادثة التي يتوقف وجود بعضها على بعض، بل هو أحد لا شيء قبله ولده، ولا شيء مثله ولد منه، فيحل محله، بل هو أزلي، سرمدي، منزه عن مشابهة كل ما في العالم من الأجناس المتسلسة من الأفراد البسيطة والمركبة. والله غني عن الوالدية والمولودية، وهما نقص في حقه، يستلزمان الحاجة، وينافيان الربوبية، والألوهية.
فإن قيل: لِمَ قدَّم ذكر نفي الولد مع أن الوالد مقدم؟ وجوابه: أن قُدِم للاهتمام لأجل ما كان يقوله الكفار من المشركين: إن الملائكة بنات الله. واليهود: عزيز ابن الله. والنصارى: المسيح ابن الله، ولم يدع أحد: أن له والدًا، فلهذا السبب بدأ بالأهم، فقال: لم ألد ولم أولد. وقوله:"ولم يكن له كفوًا أحد" أي: لم يكافئني أحد، ولم يماثلني، ويشاكلني من صاحبة وغيرها، والكفء: النظير المكافئ. والله أعلم.