وابنُ ماجه، وابنُ حبَّان في صحيحه من حديث المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يُقِمْن صلبه، فإن كان لا محالة فاعلًا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" ١.
وإنما كان ملء البطن شرًا لما فيه من المفاسد الظاهرة، دينية، ودنيوية، فالشبع يورث البلاء، ويعوق الذهن عن التفكير الصحيح، وهو أيضًا مداعاة الكسل، والنوم، فمن أكل كثيرًا نام كثيرًا، ومن نام كثيرًا ضيع وقته، وقتله، وهو رأس ماله في الحياة العملية، فيخسر كثيرًا من مصالحه الدينية، والدنيوية.
ومن وصايا لقمان لابنه: يا بني! إذا امتلأت المعدة؛ نامت الفكرة، وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة. هذا حال الشبع.
وأما حال الإقلال من الطعام والشراب: فالقلب يصفو، والقريحة تنتقد، والبصيرة تنفذ، والشهوة مغلوبة، والنفس مقهورة على أمرها، وقد أرشدنا صاحب الرسالة عليه أفضل الصلاة والتسليم إلى المقدار المناسب في الطعام، وهوما يقيم الحياة، ويحفظ الصحة، ويمكن الإنسان من القيام بواجبه الشخصي، والمشترك، وإن كان لابد مكثرًا منه يجعل ثلثي المعدة للطعام والشراب، ويترك ثلثها الباقي خاليًا حتى يتمكن من النفس بسهولة؛ وذلك أن البطن إذا امتلأت ضغطت على الحجاب الحاجز، فضغطت على الرئتين، فضاقت مجاري التنفس الذي هو ضروري لإصلاح الدم الفاسد، وتحويله إلى دم صالح تقوم به حياة الإنسان، وتحفظ صحته، ولذلك جاء الترغيب في الصوم، وأن الله يجزي به بنفسه؛ لأن أكبر مهذب للإنسان هو الصوم؛ لتقليل الطعام فيه، والله أعلم.
١ رواه أحمد في المسند"٤/ ١٣٢"، والترمذي رقم "٢٣٨٠"، وابن ماجه رقم "٣٣٤٩"، وابن حبان رقم"٥٢٣٦"، والحاكم "٤/ ١٢١و٣٣١"وصححه؛ ووافقه الذهبي من حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه. وهو كما قالا.