للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعزَّ بعمل مثل الزهد في الدنيا، ولا تعبد الله تعالى بمثل أداء الفرائض. أما الزهد في الدنيا فقد جاء القرآن بالحث عليه، وتحبيبه إلى خلقه، ومدحه، والتنفير من ضده، وذم الرغبة في الدنيا. قال الله تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:١٦-١٧] ،وقال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: ٩٦] وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:٢٠] ،وقال تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى} [النساء:٧٧] ،وقال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [طه: ١٣١] وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥] ، والقرآن مليء بذلك.

ومن الأحاديث: ما رواه ابن ماجه وغيره عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته أحبني الله، وأحبني الناس فقال: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس" ١ وهو حديث حسن، رواه بأسانيد حسنة، كما قال النووي رحمه الله. وروي مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه مرَّ بالسوق والناس مكتنفوه، فمر بجِديٍ أسك ميت، فتناوله، فأخذ بأذنه، فقال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء! وما نصنع به؟! قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حياً لما رغبنا فيه؛ لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟! فقال: والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم" ٢. وقوله: أسك؛ أي: مصطلم الأذنين، مقطوعهما.

وخرَّج الترمذي من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء" ٣.


١ رواه ابن ماجه رقم"٤١٠٢"والقضاعي في مسند الشهاب رقم "٦٤٣"والحاكم "٤/ ٣١٣"، والطبراني في الكبير رقم"٥٩٧٢"من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. وفي إسناده خالد بن عمرو، قال أحمد وابن معين: أحاديثه موضوعة. وقال البخاري وأبو زرعة: منكر الحديث. وضعفه أبو داود والنسائي. وقول الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد رده الإمام الذهبي بقوله: خالد بن عمرو القرشي وضاع. نقول: وقد حسن الحديث النووي والعراقي بشواهده.
٢ رواه مسلم رقم "٢٩٥٧"في الزهد والرقائق، وأبو داود رقم "١٨٦"في الطهارة من حديث جابر رضي الله عنه.
٣ رواه الترمذي رقم "٢٣٢١". وابن ماجه رقم "٢٤١٠"من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه. وهو حديث حسن.

<<  <   >  >>