هو الله الذي يفضه يوم القيامة، ولا الليل إلا تكون كذلك، وقد أنشد بعض السلف:
إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق ... والليالي مَتجرُ الإنسان والأيام سوق
وليس الذم راجعًا إلى مكان الدنيا الذي هوالأرض؛ التي جعلها الله لبني آدم مهادًا ومسكنًا، ولا إلى ما أودع الله من الجبال، والبحار، والأنهار، والمعادن، ولا إلى ما أنبته فيها من الزرع، والشجر، ولا إلى ما بث فيها من الحيوانات، وغير ذلك، فإن ذلك كله من نعم الله على عباده؛لما لهم فيه من المنافع، ولهم فيه من الاعتبار، والاستدلال على وحدانية صانعه، وقدرته، وعظمته؛ وإنما الذم راجع إلى أفعال بني آدم الواقعة في الدنيا؛ لأن غالبها واقع على غير الوجه الذي تحمد عاقبته، بل يقع على ما تضر عاقبته، أو لا تنفع، كما قال عز وجل:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً}[الحديد:٢٠] .
فائدة اختلف الناس في الزهد هل هو ممكن في هذه الأزمنة، أم لا؟ فقال بعضهم: الزهد لا يكون إلا في الحلال، ولا حلال في الدنيا، فلا زهد. وقال بعضهم: بل الحلال موجود فيها، وفيها الحرام كثيرًا، وعلى تقدير ألا يكون فيها الحلال فهذا أدعى إلى الزهد فيها، وتناول ما يتناوله المضطر منها، كتناوله للميتة، والدم، ولحم الخنزير. وفي ذلك كفاية. والله أعلم.