للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكان شرًا له، وربما سألني وليي المؤمن الفقر فأصرفه إلى الغنى، ولو صرفته إلى الفقر لكان شرًا له. إن الله قال: وعزَّتي، وجلالي، وعلوي، وبهائي، وارتفاع مكاني لا يُؤْثر عبد هواي على هوى نفسه إلا أُثبِّت أجله عند بصره، وضمنت السماء، والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر" ١. رواه الطبراني في الكبير عن ابن عباس.

ش- تقدم ذكر الحديث غير مرة بألفاظ قريبة من هذا إلا أنَّ ما هنا فيه زيادة ألفاظ لم تذكر قبل، فلا مانع من التعرض لشرحها وبيانها، فأقول: قوله "ناصبني بالمحاربة" النصب: التعب. وأنصبني كذا؛ أي: أتبعني، وأزعجني. قال الشاعر:

تأوبني همٌّ مع الليلِ منصب

ويقال: ناصبه الحرب والعداوة، ونصب له، والمعنى هنا والله أعلم: اجتهد العبد في المحاربة على مثال قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الانشراح:٧] أي: اجتهد في الدعاء. والغنى -بكسر الغين المعجمة والقصر-: اليسار، تقول منه: غني بالكسر غنى، قلة المال، وضيق اليد. ويؤثر: يفضل. وباقي ألفاظ الحديث منها ما تقدم تفسيره، ومنها ما هو ظاهر، ووقع في كتاب "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" للهيثمي في هذا الحديث "عند نصره" بالنون بدل "عند بصره" بالباء الموحدة، ولعله تصحيف.

والمعنى-والله أعلم بمراده-: من عادى لله وليًا من أوليائه الصالحين -الذي تقدم وصفه سابقاً- فقد ناصب الله، واجتهد، وأعتق نفسه، وتهيأ لمحاربة الله جلَّ ذكره - ومن يقدرأويحسر على ذلك إلا هالك؟! - وما تردد الله عن شيءٍ هو فاعله كتردده عن موت المؤمن، يكره الموت الذي من شأنه ذلك لما يعتري المؤمن من الشدائد والأهوال، والله سبحانه وتعالى يكره مساءة عبده المؤمن، وربما سأل الله الولي المؤمن الغني في بعض الأوقات، وهو لا يدري ما الأحسن له؛ هل الغنى أم الفقر؟ والله تعالى يعلم ما يناسب حال العبد، فلا يجيب طلبه، بل يعطيه ما يوافق حاله، ويصرف عنه ما لا يوافقه، وينفعه، ولو صرفه إلى طلبه الذي هو الغني مثلاً، ويكون شراً له في ماله


١ رواه الطبراني في الكبير"١٢٧١٩"، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد "١٠/ ٢٧٠ "وقال: رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم نقول: وضعفه الحافظ في الفتح "١١/ ٣٤٢"، ومن حديث ابن عباس رضي الله عنه.

<<  <   >  >>