للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥] ذكره السدّي في تفسيره عن مرَّة، عن ابن مسعود، وأخرجه أحمد من طريقه مرفوعًا، ومنهم من رجحه موقوفًا، ويؤيد ذلك: أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه، فمن همَّ بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته.

وتعقب هذا البحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم، ومع ذلك فمن هم بمعصية لا يؤاخذه، فكيف يؤاخذه بما دونه، ويمكن أن يجاب عن هذا بأن انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله؛ لأن تعظيم الحرم من تعظيم الله، فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره، وإن اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى! نعم من هم بالمعصية قاصدًا الاستخفاف بالحرم عصى، ومن هم بمعصية الله قاصدًا الاستخفاف بالله كفر، وإنما المعفو عنه من هم بمعصية ذاهلًا عن قصد الاستخفاف.

وهذا تفصيل جيد، ينبغي أن يستحصر عند شرح حديث: "لا يزني الزاني وهو مؤمن" ١.

وقال السبكي٢: الكبير الهاجس لا يؤاخذ به إجماعًا، والخاطر، وهو جريان ذلك الهاجس وحديث النفس لا يؤاخذ به لحديث الباب. والعزم -وهو قوة ذلك القصد، أو الجزم به، ورفع التردد - قال المحققون: يُؤاخذ به، وقال بعضهم: لا، واحتجَّ بقول أهل اللغة: هم بالشيء: عزم عليه، وهذا لا يكفي، قال: ومن أدلة الأول حديث: "إذا التقى المسلمان بسيفهما ... " ٣ الحديث، وفيه: "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" فعلل بالحرص. واحتج بعضهم بأعمال القلوب، ولا حجة معه؛ لأنها على قسمين:


١ رواه أحمد في المسند "٢/ ٣٧٦". والبخاري رقم "٥٥٧٨" في الأشربة، ومسلم رقم "٥٧و ١٠٢". وأبو داود رقم "٤٦٨٩" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٢ السبكي: هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام الأنصاري الخزرجي السبكي الشافعي، تقي الدين أبو الحسن. عالم مشارك في الفقه. والتفسير. والمنطق. والحديث واللغة توفي رحمه الله "٧٥٦"هـ.
٣ رواه أحمد في المسند "٥/ ٤٣و٥١"، والبخاري رقم "٣١" في الإيمان و "٦٨٧٥" في الديات، ومسلم رقم "٢٨٨٨"، وأبو داود رقم "٤٢٦٩"، والنسائي "٧/ ١٢٥"، وابن ماجه رقم "٣٩٦٥"، وابن حبان رقم "٥٩٤٥" من حديث أبي بكر رضي الله عنه.

<<  <   >  >>