للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالله، ويرجو رحمته، ويخاف عذابه، ومنهم الذي شقي في الدنيا بنفسه المظلمة الكنود، وفي الآخرة بعذابها الأليم الشديد: فلن يموت في جهنم فيستريح ولن يحيا في راحة واطمئنان، وموعظة لكل ذي فطرة سليمة تؤكد أن الفلاح للزكاة والطهر، والخسران للرجس والدنس، وتنذر بفناء الدنيا العاجلة وبقاء الآخرة الخالدة، وفي ختام هذه السورة تذكير بوحدة الدين، فإن الذي ينزله الرب الخالق الأعلى على قلب محمد قد أنزل مثله من قبل على شيخ الأنبياء إبراهيم وعلى كليم الله موسى: فهي عقيدة واحدة، وتعاليم واحدة، ليس لها إلا مصدر واحد هو الله رب العالمين١.

وفي سورة "الليل"٢ يقسم الله بتقلب الليل والنهار، وخلق الذكر والأنثى، على أن طرائق الناس في الحياة مختلفة، فلا بد أن تكون مصائرهم مختلفة أيضا: فكما تقابل صورة النهار السافر صورة الليل الغامر، وتعاكس طبيعة الأنثى اللطيفة طبيعة الذكر الخشنة، ينافر سعي المتقين عمل المجرمين, ويضاد ثواب السعداء عقاب الأشقياء. ولن يسكب الله الرضوان إلا في قلب من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى.

وفي سورة "الشرح" مناجاة رقيقة حلوة يضع الله فيها عن نبيه ضائقة حلت به وثقلت على ظهره حتى كادت تحطمه، ويبشره بانفراج كربه، وانشراح صدره، وتيسير أمره, ورفع مكانته في الأرض وفي السماء، وقرن اسمه باسمه في الصباح وفي المساء، ويدعوه إلى التفرغ لعبادته كلما تجرد عن الناس وعن شواغل الحياة في طريق الدعوة الطويل٣.


١يلاحظ هنا -من وحي السياق نفسه- أن الدعوة الإسلامية أنبأت عن نفسها منذ أوائل المرحلة المكية بأنها عالمية، وأن أصولها واحدة كأصول الأديان السماوية، وقد أشار إلى هذا في سياقنا نفسه ذكر صحف إبراهيم وموسى، فلم ينتظر القرآن هجرة النبي إلى المدينة والتقاءه بيهودها ليتحدث عن صحف نبيهم موسى، بل عرض لموسى كما عرض لإبراهيم في مكة نفسها تأكيدا لعالمية الدعوة ووحدة أصلها.
وانظر Horovits, Koronische Untersuchengen, ٦٨ sq.
٢ انظر تفسيرها في "الطبري ٣٠/ ١٣٨".
٣ قارن بتفسير الرازي ٨/ ٤٢٨.

<<  <   >  >>