وبعد هذا القسم الغيبي المفعم بالأسرار، تعرض السورة مشهدا جديدا من مشاهد القيامة يخطف البصر بتعاقبه السريع، ويحاصر القلب بكربه الشديد: لقد انفرط عقد هذا الكون المنظور، فكل شيء فيه ينشق وينفجر، وكل شيء من حوله يضمحل ويذوب: أما النجوم فقد طمس ضياؤها، وأما السماء فقد انشق أديمها، وأما الجبال فقد نسفت ذراها سويت بالأرض كأنها الكثيب المهيل، وأما رسل الله فقد أخر الموعد الذي ضرب لهم للمثول بين يدي الله إلى أجل طويل ثقيل يفصل فيه بين خصوم الأنبياء وأتباعهم, ويقضي فيه بالحق ولا يظلمون. فما أشد ويل المكذبين المجرمين!.
وأعداء النبيين كانوا في جميع الأجيال يلقون مصرعهم، فليس مشركو مكة بدعا من المجرمين، وإنهم منذ الساعة ليتوقعون هلاكهم الدنيوي العاجل فكيف يكون إذن عذابهم الآجل في الجحيم!
ليتهم -قبل الانطلاق إلى يوم الفصل -يفكرون في أنفسهم، وفي الأرض الذلول التي يطئونها بأقدامهم، فلو فكروا في أنفسهم لعجبوا لتقدير البارئ الحكيم الذي خلقهم في بطون أمهاتهم طورا بعد طور حتى أصبحوا بشرا أسوياء بعد أن كانوا أجنة في الأرحام. ولو فكروا في الأرض التي يطئون لرأوها أمهم الحنون، تكفتهم إلى صدرها وتضم أحياءهم وأمواتهم، فمنها خلقوا وفيها يعادون ومنها يخرجون تارة أخرى. ألم يروا إلى جبالها الشم الراسخات ينحدر الغيث عن ذراها، فيفجر الله به العيون، ويسقيهم الماء العذب النمير؟
فإن لم يفكروا في الآفاق وفي أنفسهم فليشقوا طريقهم إلى العذاب مسرعين. إن لدخان جنهم ظلالا ذوات شعب ثلاث تمتد لافحة محرقة أشد حرا من لهب