للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السعير، فلينطلقوا إلى هذي الظلال، وليجدوا لديها الحرور! وإن يك لدخان جهنم تلك الظلال الخانقة اللاهبة فكيف بشررها ولظاها؟ إن كل شررة منها في حجم القصر الكبير ضخامة وارتفاعا، وتكاد شظاياها التي تتناثر مصفرة من كثرة الوقود تحكي قطيعا من الجمال الصفر تعدو في البيد في هياج شديد! ١.

ما أجدر الأصوات في ذلك اليوم أن تخشع، وما أجدر الألسنة أن تجف صامتة في الحلوق، وما أجدر المجرمين أن يكظموا حناجرهم ويكتبوا أعذارهم في صدورهم، فما لأحد عذر يبديه في ذلك الموقف المهيب. لقد حشر الله الأولين والآخرين ليفصل بينهم بحكمه، فمن كان له مكر فليمكر، ومن أوتي القوة فليحسن التدبير ...

لكن الترهيب في القرآن يعقبه الترغيب، وإن الجنة والنار ليتقابلان في أكثر السور تقابل شطري البيت في القصيد، فالمتقون ينعمون في الفردوس بظلال حقيقية وارفة لا بظلال الحرور اللافح، وتجري من تحتهم العيون النضاخة العذبة ولا يتناثر من فوقهم شرر النار الموقدة، ويكرمون بخطاب الله لهم ودعوته إياهم إلى الهناءة بما يأكلون وما يشربون ولا يفرض عليهم الصمت الكئيب.

فهلا بكت المجرمون أنفسهم، وأدركوا أن متاع الدنيا قليل؟ وهلا خشعت نفوسهم للحق فركعوا مع الراكعين؟ أم كتب عليهم الشقاء فهم لا يؤمنون؟ ٢.

وفي سورة "البلد" تلويح بقسم عظيم على أن حياة الإنسان سلسلة من المكابدة والمشقة والكفاح. أما القسم به فهو أمران: أحدهما ببيت الله الحرام٣.


١ هذه الصورة يوحي بها قوله تعالى: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ، كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} وقد اخترنا هذا التأويل من بين طائفة من الأقوال الأخرى. وانظر الكشاف ٤/ ١٧٤.
٢ راجع تفسير سورة "المرسلات" في الطبري ٢٩/ ١٤٠ والنسفي ٤/ ٢٤١. وقارن بالبيضاوي ٢/ ٣٧٧ والزمخشري ٤/ ١٧٣.
٣ أصاب المستشرق موير حين ترجم "البلد" هنا بيت الله الحرام.
انظر الطبري ٣٠/ ١٢٣ وقارن بـMuir, trad,. ١٤.

<<  <   >  >>