للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي زاده شرفا أن نبي الله حل فيه مقيم، والآخر كل والد وكل مولود وما يعانيه كلاهما من كبد في جميع مراحل الحياة. ولكن الغرور يستولي على الإنسان، فينخدع بقوته، وينسى أن الله الذي منحه هذه القوة قادر على أن يسلبها منه، وينخدع أيضا بماله، فيكنزه زاعما أنه ينفق منه الكثير في وجوه الخير، وينسى مرة أخرى أن الله محيط به يرى كيف جمع ماله وأين أنفقه، فليعرف هذا الإنسان أنه رهين بما كسبت يداه، وأنه بتصرفه المغرور إنما يجني على نفسه، إذ وهبه الله الخصائص التي تهديه إلى سواء الصراط، من عينين بهما يبصر، ولسان به ينطق, واستعداد نفسي لتمييز الشر من الخير.

إن على الإنسان -وقد أوتي وسائل الهداية كاملة- أن يقتحم عقبة كأداء تعترض طريقه إلى جنات عدن. ولن يذلل هذه العقبة إلا بالإيمان والعمل الصالح، فليحرر في سبيل الله رقاب العبيد١، وليطعم في أيام المجاعة اليتامى من ذوي القربى والمساكين البائسين، وليقم بهذا كله وفاء بحق الإيمان، واستشعارًا لأنبل معاني الصبر على المشاق, وأظهر معاني التراحم في الحياة. فبمثل هذا يكتب في سجل السعداء ويمسي من أصحاب اليمين.

أما الإنسان الذي صده الغرور عن الإيمان، فلجَّ في عتوه ونفوره، فمصيره المشئوم ينتظره في جهنم: تغلق عليه أبوابها ثم لا يموت فيها ولا يحيا٢.

وبسورة "الحجر" نختم ما اخترنا تحليله من النوازل القرآنية في المرحلة المكية الثانية أو "المتوسطة". وقد انفردت هذه السورة عن كل ما سبقها من السور التي تحدثنا عنها في المرحلتين المكيتين بطولها النسبي, فهي تسع وتسعون آية، وانفردت آياتها كذلك بطولها النسبي على تفاوت في ذلك بين مقاطعها المتتابعات. ومن خصائص هذه السورة أيضا أنها افتتحت ببعض الحروف


١ يلاحظ هنا أن الدعوة إلى تحرير العبيد من الرق بدأت في الإسلام مبكرة والمسلمون ما يزالون في مكة مستضعفين محاصرين.
٢ انظر تفسير سورة "البلد" في الطبري ٣٠/ ١٢٣ وقارن بالرازي ٨/ ٤٠٣.

<<  <   >  >>