للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقطعة {الر} وقد عقدنا فصلا خاصا لها ولأمثالها في هذا الكتاب، فلا داعي للحديث عنها الآن.

وأبرز الحقائق التي عرضتها سورة "الحجر" إنذار الكافرين بسوء المصير، وبيان سنة الله في المكذبين, وتصوير آيات الله في السماء وفي الأرض وما بينهما، وحديث عن خلق آدم وإبليس، وسجود الملائكة لآدم واستكبار إبليس, وتثبيت فؤاد محمد بقصص المرسلين: كبشارة إبراهيم على الكبر بغلام عليم، ونجاة لوط وأهله من الخسف والدمار, ومصرع قوم لوط بزلزال وحجارة من سجيل، وهلاك أصحاب الأيكة قوم شعيب, وأخذ أصحاب الحجر من قوم صالح بالصيحة الطاغية, وتبيان الحق الذي تقوم به السموات والأرض وتقوم عليه الساعة، ودعوة النبي إلى الصفح الجميل, والجهر بدين الله، واللواذ بحمد الله حتى يمضي إلى جواره الكريم١.

ولقد طوي مطلع هذه السورة على إنذار ضمني خفي٢ يحث الكافرين على اعتناق الإسلام قبل أن تضيع الفرصة، وينقضي الأجل، لأن الأمل الخادع مهما يشغلهم بالأطماع لن يدفع عنهم مصيرهم المحتوم، فسوف يعلمون أن سنة الله في الأمم لا تتخلف، وأن لكل أمة كتابا معلوما وأجلا مسمى، تحيا ما كتب الله لها الحياة, فإذا انحرفت عن الطريق الواضح المرسوم جاءها أمر الله ليلا أو نهارا فدمرها تدميرًا.

لكن المشركين، إزاء هذا الإنذار الرهيب، لا ينفكون عن باطلهم وغرورهم، بل يسترسلون في لغوهم وعبثهم، ويتهكمون على النبي الكريم، ويرمونه بالجنون، ويطالبونه بنزول الملائكة تصديقا له، وتثبيتا لمدلول الوحي الذي يدعيه.


١ انظر تفسير سورة "الحجر" في الطبري ١٤/ ١ والرازي ٥/ ٢٥٣.
٢ نشير بهذا إلى قوله تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} فإن ألفاظ الآيتين مطوية على الإنذار، ملفوفة بالسخرية اللاذعة، ولو لم تكن مدلولاتها صريحة في هذا الباب، وقارن بقول الزمخشري: "وفيه إلزام للحجة ومبالغة في الإنذار" الكشاف ٢/ ٣١٠.

<<  <   >  >>