للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحترام الرسم العثماني واستحسان التزامه أمر يختلف اختلافا جوهريا عن القول بالتوقيف فيه, فقد تضافرت آراء العلماء على ضرورة التزام هذا الرسم حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: "تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ألف أو ياء أو غير ذلك"١ وسئل الإمام مالك: أرأيت من استكتب مصحفا أترى أن يكتب على ما استحدثه الناس من الهجاء اليوم؟ فقال: "لا أرى ذلك، ولكن يكتب على الكتبة الأولى"٢ وروي في فقه الشافعية والحنفية أقوال من هذا القبيل، ولكن أحدا من هؤلاء الأئمة لم يقل: إن هذا الرسم توقيفي، ولا سر أزلي، وإنما رأوا في التزامه ضربا من اتحاد الكلمة واعتصام الأمة بشعار واحد، واصطلاح واحد، فواضع الدستور عثمان، ومنفذه بخطه زيد بن ثابت، "وكان أمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكاتب وحيه".

على أن من العلماء من لم يكتف بإباحة مخالفة الرسم العثماني، بل صرح فوق ذلك بأنه اصطلاحي، ولا يعقل أن يكون توقيفيا. وفي طليعة هؤلاء القاضي أبو بكر الباقلاني٣ في كتابه "الانتصار" فهو يقول: "وأما الكتابة فلم يفرض الله على الأمة فيها شيئا، إذ لم يأخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسما بعينه دون غيره أوجبه عليهم وترك ما عداه، إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف. وليس في نصوص الكتاب ولا مهفومه، أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص وحد محدود لا يجوز تجاوزه، ولا في نص السنة ما يوجب ذلك ويدل عليه، ولا في إجماع الأمة ما يوجب ذلك، ولا دلت عليه القياسات الشرعية، بل السنة دلت على جواز رسمه بأي وجه سهل, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر برسمه ولم يبين لهم


١ السيوطي، الإتقان ج٢ ص٢٨٣.
٢ الداني، المقنع ص١٠ والسيوطي في "الإتقان ٢/ ٢٨٣" ينقل هذا القول المنسوب إلى مالك "رض" من كتاب "المقنع". وانظر أيضا البرهان ١/ ٣٧٩.
٣ هو محمد بن الطيب الباقلاني صاحب كتاب "إعجاز القرآن" توفي سنة ٤٠٣ "انظر وفيات في وفيات الأعيان ج١ ص٤٨١ وفي شذرات الذهب ج٢ ص٧٥.

<<  <   >  >>