وهذا وإن كان يستدعي مزيد تقرير في النظر ففي هذا المقدار تأصيل الكلام والمحصل ذو المنة يورده إيرادا مقررا وإن أردنا أن نأتي بكلام قريب جدا يستوي في [نيله و] الإفهام به المتشدق البليغ وذو العي الحصر قلنا:
٤٥٤- إن جحدا معاند إفضاء ما ذكرناه إلى الغرض نصا لم يجحد ظهور ما ذكرناه وغلبة الظن في صغو قصد الشارع إلى ما قررناه ولا خلاف بين العالمين بالظواهر أن تأويلاتها لا تقبل غير مقترنة بأدلة وغاية المتمسك بهذا المسلك أن يأتي بقياس مظنون ومعنى الظن في أنه يحسبه أنه منصوب الشارع ظنا منه وتقديرا وقد غلب على الظن مقصود الشارع في لفظه [فما يغلب متصلا] بلفظه على الظن أولى مما يغلب على الظن كونه منصوبا للشارع في فنون الأقيسة وهذا يقع من الظن بعيدا بدرجات عن الظن المختص بلفظ المصطفى عليه السلام.
٤٥٥- فإن قيل: كأنكم تبنون هذا على تقديم الخبر على القياس فتثبتون استواء الظنين ثم تقدمون إحدى المرتبتين وقد لا تساعدون على تقديم الخبر [على القياس] قلنا ما أهون إثبات هذا علينا وسنذكره مستقصى في كتاب الأخبار.
ثم هذه المسألة لا تختص بهذا المأخذ فإن من يرى هذا الفن من التأويل يطرده في تأويل ظواهر القرآن والأخبار المتواترة وإن كان القياس [لا] يقدم على نصوص القرآن والسنة المتواترة.
٤٥٦- والذي يقطع مادة الإشكال في ذلك أنا نعلم أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا وجدوا ما يظهر عندهم قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه اكتفوا به ولم يميلوا إلى غيره ورأوا من يركن إلى القياس لإزالة ظاهر ما صح عندهم في حكم [الراد لخبر] رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تتبع المتتبع الأخبار التي رويت لهم فعملوا بها لوجدها ظواهر والجحد في هذا المقام الآن إنكار البديهة ومداره الضرورة ثم معتضد القياس عملهم به لا غير فإن أنصف الخصم علم أنهم كانوا لا يقيسون في هذه الحال وإن ركب رأسه وطرد شماسه لم يمكنه أن يثبت قياسهم في هذه الصورة ولهذا لا يطمع فيه إلا أخرق ولا شك أنهم ما قاسوا في كل محل.
٤٥٧- فليتخذ الناظر هذا الفصل معتضدة الأقوى في هذه المسألة وأمثالها وهنالك استبان أن كل ما ظهر في قصد الشارع لم يجر مخالفة ظاهر قصده بقياس فلهذا لم يشتغل الأوائل المتقدمون بما أنشاه ناشئة الزمان من التأويلات المزخرفة ولم يكن ذلك لغفلتهم عن أمثالها.