٤٥٨- مما يجريه أبناء الزمان في أدراج الاعتراضات ادعاء أمور من طريق الاحتمال من غير نقل فحاولوا بها مداراة الاستدلال.
وهذا بمثابة قول بعض أصحاب أبي حنيفة في المسألة التي تقدمت في نكاح المشركات حيث قالوا لم يكن في عدد النساء حصر في ابتداء الشرع ولعل الذين أسلموا كانوا نكحوا في الشرك حين لا حصر وكانت تلك الأنكحة على الصحة ولما أسلموا كان الحصر مستقرا في الشرع فلم يبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكحتهم السابقة الموافقة في وقت وقوعها موجب الشرع ولم يقرر عليها بالكلية.
٤٥٩- وسبيل الكلام على هذا الصنف أن نقول لم يثبت ما ذكروه من أحكام الإسلام في ابتداء الأيام ولا مبالاة بما جاءوا به فلفظ الرسول عليه السلام محمول على ما الشرع عليه الآن ومن قدر أمرا على مخالفة ما يصادفه الآن فدعواه من غير حجة مردودة عليه وهذا متفق عليه فإن أمثال هذه الاحتمالات لو طرقت إلى حكايات الأحوال وأقوال الرسول فيها لما انتظم الاستدلال بواحد منها فإن هذه الفنون المدافعة للاستدلال ممكنة في كل أصل.
٤٦٠- فإن قيل أليس تأويل الظواهر مقبولا بالاحتمال قلنا ليس الاحتمال مقتضيا قبول التأويل ولكنا رأينا الأولين على الجملة يتمسكون بالتأويلات وكما.
رأيناهم متفقين على التأويل مع التعويل على دليل يعضده رأيناهم غير مكتفين بهذه الإمكانات وهذا بمثابة دعوى النسخ من غير ثبت فإن من ادعى نسخا فقد ادعى ممكنا ولكن لا يقبل منه بالإجماع إلا بثبت يعول عليه.
فإن نقل أصحاب أبي حنيفة من التواريخ [الصحيحة] أن الحصر لم يكن في ابتداء الإسلام فيعسر التمسك بتلك الأقاصيص وعلى المتمسك بها أن يثبت وقوعها بعد الحصر وإلا كان الاستدلال معرضا لإجمال واحتمال ومثل هذا الاحتمال مع ثبوت الأصل في حكايات الأحوال ينزل منزلة الاحتمال في صيغ الأقوال.
٤٦١- ولكن لو صح ما ذكروه انقدح وراءه نوعان من الكلام:
أحدهما: أنه إن استقام النقل فيما ادعوه وهيهات فهو مما ادعاه ناشئة الزمان في الحصر في العدد فأما الجمع بين الأختين فلم [يصر] أحد إلى أنه عهد مسوغا.