للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما الذي قد يتسامح فيه أهل المروءات إقامة الطهارات من غير مصادفة الغبرات تخفيفا فخصص الشارع الأمر بالتنقي بالأحوال التي لا يظهر استحثاث الطبع فيها.

٨٩٣- ومن الأصول الشاهدة في ذلك: أن البيع إنما جوزه الشرع لمسيس الحاجة إلى التبادل في الأعواض ثم لم ينظر الشارع إلى التفاصيل بعد تمهيد الأصول فلو باع الرجل ما يحتاج إليه واستبدل عنه مالا يحتاج إليه فالبيع مجرى على صحته فإن هذا لا يعم وقوعه وما في النفوس من الدوافع والصوارف [في ذلك] وازع كامل وتكثر نظائر ذلك في قواعد الشرع.

٨٩٤- فإن قال قائل: ما بال الوضوء يختص وجوبه بوقوع الحدث وأجمع علماء الشرع على أن الأحداث موجبة للوضوء وليست ملطخة أعضاء الوضوء والذي ثبت موجبا وفاقا غير ملطخ ولم يحوج إلى غسل الأعضاء والذي يلطخ الأعضاء لا يوجب الوضوء.

فقالوا مجيبين: غاية هذا السؤال خروج وقت الوضوء عن كونه معقول المعنى وهذا لا ينافى كون أصله معقولا.

وأما ما أدرجوه في أثناء الكلام من أن تلطيخ الأعضاء لا يوجب تنقيتها وغسلها فهذا هو السؤال الذي انتجز الجواب عنه الآن.

٨٩٥- وقد تكلف بعض النظار في ذلك كلاما وقال لا تدخل الأحداث تحت الحجر واعتمادها من غير أرب يناقض دأب أهل المروءة فجمع الشارع بين الأمر بالوضوء للغرض الكلي في التنقي وبين تأقيته بالأحداث حتى ينتهض مطهرا طاهرا ومردعة عن الأحداث من غير إرهاق مسيس حاجة ثم هذا النظر يتضمن منعا من غير تحريم وإذا استمر المكلف على هذه المراسم انتظم له منها محاسن الشيم في كل معنى فهذا الباب ما جاء به الفريقان اعتراضا وجوابا في هذا الطرف.

٨٩٦- فأما ما ذكره أصحاب أبي حنيفة رحمه الله في أن إزالة النجاسة معقولة المعنى فيتوجه عليهم في هذا الشق سؤال لا ينقدح لهم عنه جواب فإنه يقال لهم إزالة النجاسة لا تجب لغير الصلاة فما علة وجوبها للصلاة وهلا صحت الصلاة معها؟ فإن تكلفوا في تعليل وجوب الإزالة كلاما فغايتهم أن المصلى مأمور أن يأخذ للصلاة أنقى زي وأحسن هيئة والأمر بالتطهر مندرج تحت هذه الجملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>