للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأنت في حاجة إلى أن تتنبه في قراءتك لسير الرجال إلى الخير فتأخذه، وإلى الشر فتجتنبه، وإلى العبرة في سير هذا الصنف، وفي سير هذا الصنف من الناس.

وأيضاً لا بد من التنبه إلى أمر آخر وهو أن كل خلق فاضل إنما يكون بين رذيلتين، فالتهور صفة ذميمة، والجبن صفة ذميمة، وبينهما الشجاعة صفة حميدة.

والإسراف والتبذير صفة ذميمة، والتقتير والكنود والبخل صفة ذميمة، وبينهما الكرم صفة حميدة. وهكذا دواليك.

وأنت إذا تأمّلت أخلاق الناس في ضوء هذا المعيار، لا تكاد تجد عندهم أخلاقاً حميدة تَسْلم من العيب إلا القليل؛ لأن ما فيهم أو في أحدهم من صفات وأخلاق حميدة تقترب من أحد هذين الطرفين المذمومين، ولا يكاد يسلم من هذا العيب إلا القليل من أخلاق القليل من الناس.

ومعنى ذلك أنك في حاجة، وأنت تقرأ في سير الرجال أن تتنبّه لهذا الأمر، وأن تأخذ القدوة والأسوة في فضلائهم في ضوء الكتاب والسنة، وتردّ منهم ما تردّ بحكم الكتاب والسنة.

لكن السيرة الكاملة، والسيرة التي اجتمع فيها من الخير والفضل ما تفرّق في الناس، والسيرة التي اشتملت على الخير الذي لا شرّ معه، والخُلُق الحميد الذي ليس معه خُلُقٌ مذموم، والسيرة التي اجتمع فيها كريم الأخلاق على أفضل درجاتها، فلم تنحرف لا إلى غلوّ ولا إلى تقصير، والسيرة التي تحقق فيها موطن القدوة والأسوة الحسنة فتتأسّى بها

<<  <   >  >>