وقد أشار شارح الطحاوية في أبدية النار ودوامها ثمانية أقوال، ما ذكرته من القول بدوامها وبقاء الكفار فيها هو القول الحق الذي تسنده الأدلة، ومن أراد المزيد فليراجع المصدر المذكور ٢/٦٢٤-٦٢٥. إلا أن أقبح الأقوال وأشدها شذوذاً ونكراناً: قول الجهم بن صفوان إمام المعطلة، الذي ذهب إلى القول بفناء الجنة والنار جميعاً، وليس له في هذا القول سلف، وأنكر عليه عامة أهل السنة وكفروه به. انظر: شرح الطحاوية ٢/٦٢١. ١ سورة الأنبياء/ ٤٧. وقال تعالى أيضاً {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} سورة المؤمنون/ ١٠٢-١٠٣، وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: " إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضه. وقال: اقرأوا إن شئتم {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} الكهف/ ١٠٥". صحيح البخاري، كتاب التفسير، ح ((٤٧٢٩)) ٣/٢٥٧، وصحيح مسلم، كتاب صفة القيامة، ح ((٢٧٨٥)) ٤/٢١٤٧. وفي حديث أبي هريرة المتفق عليه: " كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمان ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم " البخاري، كتاب الدعوات، باب ((فضل التسبيح)) ، ح ((٦٤٠٦)) ٤/١٧٣، وصحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء ح ((٢٦٩٤)) ٤/٢٠٧٢. فهذه الأدلة وغيرها مما لا يتسع المقام لذكره تدل على أن الميزان حق، وأن له كفتان حسيتان مشاهدتان، توزن فيه أعمال العباد حسنها وسيئها. انظر فتيا وجوابها للإمام أبي العلا الحسن بن أحمد الهمداني ص٩٢، وشرح الطحاوية ٢/٦٠٩. وقد ذهب المعتزلة وبعض المتكلمين إلى إنكار الميزان زاعمين أن الأعمال أعراض والأعراض يستحيل وزنها إذ لا تقوم بأنفسها. انظر التذكرة للقرطبي ص٣٧٧. وفي الرد على أرباب هذا القول الفاسد الذي يتعارض مع ما ورد من الأدلة الصحيحة الدامغة التي لا تقبل المراء، يقول الإمام ابن أبي العز ـ رحمه الله ـ: فلا يلتفت إلى ملحد معاند يقول: الأعمال أعراض لا تقبل الوزن، وإنما يقبل الوزن الأجسام، فإن الله يقلب الأعراض أجساماً. . ويا خيبة من ينفي وضع الموازين القسط ليوم القيامة كما أخبر الشارع، لخفاء الحكمة عليه، ويقدح في النصوص بقوله: لا يحتاج إلى الميزان إلا البقال والفوال، وما أحراه بأن يكون من الذين لا يقيم الله لهم يوم القيامة وزناً. ولو لم يكن من الحكمة في وزن الأعمال إلا ظهور عدله سبحانه لجميع عباده، فلا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين منذرين، فكيف ووراء ذلك من الحكم ما لا إطلاع لنا عليه. شرح الطحاوية ٢/٦١٢-٦١٣.