للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في أصول الفقه" الحمد لله الذي شرع وكلف، وبين ووقف، وفرض وألزم، وأوجب وحتم، وحلل وحرم، وندب وأرشد، ووعد وأوعد، ونهى وأمر، وأباح وحظر، وأعذر وأنذر، ونصب لنا الأدلة والأعلام، على ما شرع لنا من الأحكام وفصل الحلال من الحرام، والقرب من الآثام، وحض على النظر فيهما والتفكر، والاعتبار والتدبر، فقال جل ثناؤه: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر، الآية: ٢] وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء، الآية:٨٢] وقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت، الآية:٤٣] وقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص، الآية: ٢٩] وقال: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء، الآية:٨٣] وقال: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة، الآية: ١٢٢] الآية.

والتفقه: من التفهم والتبين، ولا يكون ذلك إلى بالنظر في الأدلة، واستيفاء الحجة دون التقليد، لأن التقليد لا يثمر علماً، ولا يفضي إلى المعرفة. وقد جاء النص بذم من أخلد إلى تقليد الآباء والرؤساء، واتباع السادات والكبراء، تاركاً بذلك ما ألزمه الله من النظر والاستدلال، وفرض عليه من الاعتبار والاجتهاد، فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} [البقرة، الآية: ١٧٠] وقال: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف، الآية:٢٢] في نظائر من هذه الآيات، تنبيهاً بها على علة خطر التقليد بأن فيه ترك اتباع الأدلة. والعدول عن الانقياد إلى قول من لا يعلم أنه فيما تقلد فيه مصيب أو مخطئ. فلا يأمن من التقليد لغيره كون ما يقلده فيه خطأ وجهلاً، لأن صحة المذهب لا تتبين من فساده باعتقاد المعتقد له وشدة تمسكه به، وإنما يتميز صحيح المذاهب من فاسدها، وحقها من باطلها، بالأدلة الكاشفة عن أحوالها والمميزة بين أحكامها وذلك معدوم في المقلد لأنه متبع لقول لا تعرف صحته من فساده وإنما اعتقده لقول مقلده به. فإن زعم صاحب التقليد أنهم يعرف صحة القول

<<  <   >  >>